اجتمعت العائلة المتحابة أخيراً في أكثر الأماكن حميمية على كوكب الأرض.. مائدة الطعام، عائلة متآلفة مكونة من أب وأم وابن يافع في منتصف العقد الثاني من العمر وابنتين؛ إحداهما اقتربت من الثلاثين، والأخرى طفلة لم تتجاوز الرابعة من العمر، يتربع على هرم جمال هذه العائلة الجد والجدة، شاشة التلفاز العملاقة أمام الجميع، معظمهم يأكل ويتابع ما يظهر عليها وما يختفي منها، الكبار حريصون على تقديم أنواع الطعام المختلفة والموجودة على المائدة لبعضهم البعض في محاولة منهم لأن يتذوق الجميع من كل شيء، ومحاولة لقول أحبك لبعضهم على طريقتهم الخاصة، فالحب يبدأ بالمعدة من منظورهم.
الأب ممسك بالريموت كنترول، يأكل ويمارس عادته الذكورية في تقليب قنوات التلفاز دون هدف، الهاتف الذكي كان حاضراً أيضاً، وكان المشهد مكتملاً بالجميع، يجمعهم الطعام والمائدة وتفرقهم الهواتف والتلفاز، وكأن الجميع قد تمت برمجته للقيام بشيء ما، الوالد يشاهد الأخبار ويستمع للمآسي التي نعيشها، الأم مشغولة بإطعام الصغيرة، الجد والجدة يحاولان تقديم المساعدة وسرد النصائح للأم "فلا أغلى من الولد إلا ولد الولد".
الجميع يتناول طعامه ويلقي نظرة على التلفاز الذي يعرض بعض المشاهد لتسونامي الذي أودى بحياة أكثر من مليون شخص، يقضم الابن قضمة من تلك الشطيرة وهو ينظر إلى التلفاز، يخاطب أمه قائلاً: أين قارورة الكاتشب؟ تومئ الأم إلى الابنة التي تكبره بعدة سنوات بالقيام لإحضارها له من المطبخ، تقوم الفتاة متأففة، ولكن ذلك هو حالنا، الفتاة للخدمة لو كبرت أو صغر من تخدمه، الأب ما زال مشغولاً بتقليب القنوات…
قصف إسرائيلي على غزة وتدمير المدينة وقصف كل شيء وأول تلك الأشياء الفلسطينيون، سيارات مفخخة في العراق، داعش، ليبيا، تونس، قتل، دمار، جثث، أشلاء، ويل وبلاء… كل قناة إخبارية تعرض ما تجود به عقولنا المادية التي لا تفكر سوى في المصالح… يشاهد الأب ويرتشف من ذلك العصير المنعش.. ما زال يقلب في القنوات.
لقد أحضرت لكم خروفاً لكي نحتفل به في العيد، هكذا قال الجد، لمعت عيون الجميع فرحة… ابتلعوا ما تبقى من وجبة الغداء ابتلاعاً ليتسابقوا إلى ذلك الخروف الجميل ذي اللون الأبيض، الأولاد كبيرهم وصغيرهم قاموا مسرعين إلى الحديقة؛ حيث الخروف الذي فاجأهم به جدهم أثناء تناولهم وجبة الغداء، وقف الجميع أمام الخروف يحدقون به ويربتون عليه، البعض منهم يتناول قطعاً من الخس في يديه ويقدمها للخروف، كم هو جميل هذا المنظر وكم هي رحمة الإنسان ورأفته بالحيوان!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.