حقيقة مجردة يتناساها الكثيرون ويديرون ظهورهم إليها عامدين أم غير عامدين، حتى أضحت من الملفات التي لا تؤرق أحداً، تلك الحقيقة هي أن جذور كل مشاكل المنطقة ليست طائفية وليست أنظمة سياسية، ولا ربيع أو حتى خريف! ولا ممانعة أو تطبيع، ولا فساد أو اقتصاد، أو إرهاب، ولا نفط أو ثروات أو حقوق إنسان.. إلخ.
ما يقبع تحت رماد كل تلك النيران هنا وهناك هو حقيقة تأبى النسيان، ستبقى عصية على السقوط بالتقادم وهي تلك الأرض، ذلك الوطن الذي تم اغتصابه وقتل وتهجير سكانه في وضح النهار وأمام أعين العالم أجمع منذ ثمانية وستين عاماً.
منذ ذلك اليوم الذي توارت فيه شمس الحقيقة وراء ظلال الشيطان، انزلقت المنطقة إلى حالةٍ من الصراع الغارق في مستنقعات استُحدِثَت لتشتيت الانتباه عن جذور ذلك الاختلاف الوجودي التاريخي، فيما تزامن كل ذلك مع أحداث متتالية أدت إلى تباين القوى في المنطقة، وصعود التنظيمات المتطرفة بدلاً من الدول بشكل لا يخلو من الريبة، مما أدى إلى انحسار الحديث عن الصراع على فلسطين شيئاً فشيئاً؛ ليبقى ماثلاً فقط بالحالة ما بين قطاع غزة وإسرائيل!
كل ما وصلت إليه المنطقة هو ليس مشاكل بحد ذاتها بقدر ما هي نتائج لوضع أصبح للأسف ورغم أنف الجميع أمراً واقعاً. وبخلاف الاعتراف بتلك الحقيقة ومعالجتها بعدالة تتناسب ومأساويتها، فربما لن تنطفئ النار أبداً، بل على العكس ستواصل دائرة اللهب توسعها وترتفع ألسنتها ويتصاعد دخانها ليخنق أكثر فأكثر أشعة شمس الحقيقة، وتحرق كل من يقف بطريقها.
ففي وقتٍ أضحت فيه مهمة التأريخ منوطة بجملة من المتناقضات المتناثرة هنا وهناك في الفضاء الافتراضي، يجدر الانتباه إلى أن أصحاب اليد العليا بصياغة التاريخ يدفعون العجلة باتجاه مغاير لما حدث في الماضي، متعمدين طي صفحات لا تتسق وأجنداتهم. وبغض النظر عما تدور رحاه في المنطقة برمتها، فإن الوضع الحالي على أرض الواقع هو مجرد "سلام" هش قام وبقي على أسس غير عادلة بعيدة عن الحق، وفيما لا يلبي حتى أدنى من توقعات أشد المتشائمين بظروف لا ترقى لمستوى حياة! وعلى اعتبار أن الأيديولوجيا ستبقى على الدوام ذاك الثقب الأسود الذي ما أن ندخله حتى نتوه في ثناياه.. نخسر أم نربح، لا يهم طالما أننا وفي معظم الأوقات لا نقدر حتى أن نضع أيدينا على الأسباب، أو حتى بكل بساطة تحليله ومن ثم التعامل مع المعطيات.
باختصار، فإن كتابة مشوهة لتاريخ المرحلة لن تغير بشكل فعلي ما يحدث، ولن تغير من الميزان الحقيقي المجرد للخطأ والصواب، فما يحدث لا يجب أن يغطي وجه الشمس، فلسطين وشعبها يرزحون تحت نير احتلال منذ ثمانية وستين عاماً فيما التاريخ مشغول بكتابة حروف مشوهة عما أشعله ذاك الظلم البيِّن هنا وهناك.
تصم أذان جنود الباطل عن الحقيقة، لكنها تبقى حقيقة بالرغم من ذلك، ولا بد من مواصلة التمترس خلف قناعةٍ راسخة بأن كل ما يحدث وسيحدث ما هو إلا نتاج ظلم جائر توقف عن محاربته الكثيرون. وبالرغم من أن للباطل أبواقاً فإن الحق باقٍ لا يموت وإن توارى بفعل فاعل داخل صفحات التاريخ. مهما دارت عقارب الساعة ومهما تناسى البعض، إلا أن للحقيقة حراساً وستبقى فلسطين ذاك الجرح النازف الذي يؤرق مضجع الجميع، وسيبقى كتاب التاريخ متوقفاً عند تلك الصفحة، إلى أن يتغير يوماً ما مجرى التاريخ، وحتى حينها نقرئكم السلام، ونذكركم بأن فلسطين ما زالت محتلة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.