أصبحنا اليوم على بعد أقل من شهرين على انتخابات 7 أكتوبر، وهي انتخابات تشريعية تفضي إلى حكومة أخرى، وتتعدد القراءات والتحاليل بخصوص تلك الحكومة، هل ستكون جديدة أو ستعيد نفس التشكيلة الحالية؟ ومن سيكون رئيسها؟ وكيف سيتم توزيع المناصب فيها؟
ونحن على هذه المسافة الزمنية، هل يتوفر لدينا من المعطيات الكافية لترجيح رأي على آخر؟ عمليا يصعب إعلاء فرضية على غيرها، وذلك لأسباب كثيرة منها استمرار الدولة في فرض الشروط العامة للعملية الانتخابية، ولاعقلانية السلوك الانتخابي للمواطن، وحتى الانتخابات الجماعية والجهوية الفائتة لا يمكن القياس عليها، على الرغم من أنها تقدم بعض التفاصيل المساعدة على الفهم.
وقبل التفصيل قليلاً في الموضوع أعلاه، أود أن أعرج على جانب آخر من العملية السياسية لا يقل في نظري أهمية، وسيمكننا من فهم السيناريو الذي تسعى الدولة إلى تصريفه عبر انتخابات 7 أكتوبر، مغربياً نحن نعيش في تصارع لثلاثة مشاريع مجتمعية، أولها مخزني تقليداني وثانيها ماضوي رجعي، وثالثها ديمقراطي يساري، وتبعا لذلك تتبدى حوامل تلك المشاريع من الناحية السياسية الحزبية بشكل متفاوت، لكن يمكن القول إجمالا إن المشروع المخزني يعبر عنه حزبياً الأصالة والمعاصرة، والمشروع الماضوي يمثله العدالة والتنمية، أما المشروع اليساري فتعبر عنه فيدرالية اليسار الديمقراطي (أقصد هنا التعبيرات الأساسية الحزبية ولا أقصد أنها الوحيدة). لكن أين هي أوجه الاختلاف والتناقض بين هذه المشاريع والجميع هنا أو هناك يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون؟
الاختلاف الموجود بين هذه المشاريع، والذي يصل حد التناقض، عدا الجانب الفكري والتأصيل النظري للممارسة السياسية لكل حامل من حوامل تلك المشاريع، يتجلى في طبيعة الرؤية التي يحملها كل واحد من تلك التنظيمات الحزبية حول تصوره للمجتمع ولطريقة تدبير شؤونه، وخصوصاً تصور كل حزب لكيفية الضبط المجتمعي، فالدولة هي أداه انصهار مجتمعي، أي أنها أداة توازن بين كل طبقاته وفئاته. وفي هذه النقطة يقترح أصحاب المشروع المخزني صيغة الإرشاء والمولاة كآلية للضبط، فيما يقترح أصحاب المشروع الماضوي آلية الجزاءات والتدجين، أما أصحاب المشروع الثالث، فيقترحون صيغة واحدة هي الديمقراطية بأبعادها المختلفة وفي كافة المجالات.
الصيغة الثالثة، صيغة الديمقراطية، هي صيغة ضد الاستبداد، وضد الفساد، أي أنها ضد المخزن، في حين أن الصيغتين الأولتين لا تضعان المخزن ضمن تناقضهما الرئيسي، بل هما أساساً صيغتان لإدامة هيمنته وتسلطه واستبداده
سيناريو 8 أكتوبر
يغلب الظن أن السلطة السياسية بالمغرب، وأقصد بذلك المخزن، قد أعد سلفا لسيناريو بخصوص الانتخابات التشريعية المقبلة، بل وحتى ما بعد تلك المحطة، وهذه عادته منذ ما سماه بالمسلسل الديمقراطي، حيث يعمل على التحكم بالخريطة الحزبية ابتداء والخريطة الانتخابية انتهاء، حتى يُبقي الحقل السياسي مغلقاً ما أمكن ويتفادى أي مفاجآت، وهناك بعض المؤشرات التي ما إذا تم تجميعها ستمكننا من بناء تصور الدولة لمحطة الانتخابات.
يبدو أن الدولة لم يعد لها رغبة في بقاء بنكيران في رئاسة الحكومة، وذلك لأسباب كثيرة، فالرجل تم إقدامه للعب دور الإطفائي بعد الغضب العارم للشارع المغربي في سنة 2011، وقد انتهى، من وجهة نظر السلطة، السبب الذي جعل الدولة تختاره ساعتها. وهناك تغييرات جمة في طبيعة تشكيلة الحكومات والرئاسات في شمال إفريقيا ولن يكون المغرب استثناء في هذه النقطة. بل إن بنكيران بمجموع السياسات والقوانين التي سُنت في ولايته، يمكن أن يعطي مفعولاً مضاداً، أي يمكن أن تولد حركات احتجاجية كما حدث مثلاً مع الأساتذة المتدربين أو المعارضين لخطة التقاعد، بل هناك احتمال أن تحدث حركات احتجاجية واسعة وعارمة. وأن يقفل القوس الذي فتحته حركة 20 فبراير، من جهة الدولة، باستبعاد بنكيران عن رئاسة الحكومة معناه عودة الدولة لمشروع تونسة المغرب كما في زمن بنعلي، المرتكز أساساً على وجود حزب الدولة القوي، الذي هو في حالتنا حزب الأصالة والمعاصرة.
إذن هناك رغبة عند الدولة بالتخلص من بنكيران وحزبه من رئاسة الحكومة القادمة، وفي نفس الوقت تريد أن يتم الأمر بشكل سلس ومقبول، فما هو سبيلها إلى ذلك؟
ثمة مجموعة عناصر قانونية وعناصر دعائية يتم الاعتماد عليها للوصول إلى النتيجة النهائية للعملية الانتخابية التي تم تسطيرها. وتتجلى العناصر القانونية أساساً في شكل التقطيع الانتخابي، الذي تم الاشتغال عليه لسنوات حتى يناسب أحزاباً دون أخرى، والذي يتحول فيه النظام اللائحي إلى نظام ترشيح فردي. ثم هناك العتبة الانتخابية التي تم تقليصها إلى %3 بدل %6 وهو الشيء الذي لن يسمح لا ي حزب مهما كانت قاعدته الانتخابية من الفوز أكثر من مقعدين في كل دائرة، في أقصى الحالات.
أما في يخص فيما يخص العناصر الدعائية فأصنفها إلى ثلاثة أنواع:
1- تلطيخ سمعة الخصم، وهو ما يجري مع حزب العدالة والتنمية، مع إبراز قضايا الاتجار بالمخدرات أو السكر العلني أو الفضائح الجنسية، ويراد بذلك إيصال رسالة للناخب مفادها أن الحزب الذي صوت له عدد من المواطنين، وهم غير مرتبطين به سياسياً أو فكرياً، بسبب نقاء أعضائه وطهارة ذمتهم (حسب ما قيل) ها هو يضم من بين أعضائه ومنتخبيه من هم بعيدون كل البعد عن تلك القيم والمبادئ.
2- العمل على إحداث هجرات فردية وجماعية باتجاه حزب الأصالة والمعاصرة أو صناعتها مع مصاحبة ذلك بجو احتفالي وبهرجة إعلامية، ويراد بذلك القول أن القاعدة الانتخابية لعدد من الأحزاب وعلى رأسها العدالة والتنمية، تتحول شيئا فشيئا إلى قاعدة انتخابية لحزب الأصالة والمعاصرة.
3- العمل على غرس فكرة عند المواطنين مفادها أنه في حالة ما إذا فاز حزب الأصالة والمعاصرة بالمركز الأول في الانتخابات المقبلة، فذلك لن يكون إلا نتيجة طبيعية ومباشرة لعمله السياسي والحزبي، ويعمل في هذا الاتجاه مجموعة ما يسمون بالمحللين وكتاب الرأي، الذين يحاولون أيضا إقناع الناس بأن الحزب هو تجميع لرغبة بعض المواطنين في العمل الحزبي وليس وليدا لدوائر وزارة الداخلية.
هذه العناصر الدعائية التي تقوم بها الدولة مع حزب العدالة والتنمية، للاعتبارات التي أوردتها أعلاه، هي نفسها التي أرادت تجريبها مع الحزب الاشتراكي الموحد ( فيدرالية اليسار الديمقراطي)، لكن عمليا يستحيل ذلك، فعدد مستشاري الفيدرالية قليل، وهم في غالبيتهم في المعارضة بالمجالس التي ينتمون لها، وليسوا من ذوي السوابق حتى يسهل إلصاق التهم القانونية أو الأخلاقية بهم، أضف إلى ذلك أن الفيدرالية لا مقعد برلماني لها يمكن التأثير فيه للهجرة نحو البام. ولذلك بدأوا يتجهون نحو الأشخاص بالبحث في حياتهم العامة والخاصة، ومن هنا نفهم لم كانت تلك الهجمة على الأستاذة نبيلة منيب، ولن تقف تلك الهجمة عندها.
خلاصة القول أن سيناريو الدولة واضح بخصوص الحزب الذي تريده أن يكون على رأس الحكومة المقبلة، حتى وإن لم يحصل ما يؤشر هل تريد أو لا تريد حزب العدالة والتنمية في نفس الحكومة، ربما لأنه ليس من قرار نهائي في الموضوع. لكن في نفس الوقت لا تريد الدولة أن يحصل حزبها على المركز الأول في عدد المقاعد فقط، بل أيضاً في عدد الأصوات، حتى لا يكون الأمر مثار انتقاد أو تساؤل كما حدث في محطة الانتخابات الجهوية الفائتة.
توقع: في شهر سبتمبر الجاري، أتوقع أن يحدث لقاء يضم كل من الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والاستقلال سيكون موضوعه التباحث في إمكانية العمل المشترك.