حديث الأقاليم في العراق بين الوجاهة والطرافة

ليجد سنة العراق أنفسهم فجأة بعد 2003 بلا مشـروع سياسي أو رؤية أو منهج أو إستراتيجية، عبثاً كانت الحياة على طول القرن الماضي. لكن وبعد هذا كله بات هناك سؤال مُلح لدى الكثيرين، هل نضج خيار الدعوة إلى الإقليم بما فيه الكفاية، هل استنفد السنة في العراق جميع الخيارات والبدائل؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/02 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/02 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش

كـَذَبَت علينا كُـتُب التّاريخ وخرائط الجغرافيا التي درسناها، حين قالت إننا نعيشُ في إطار وطنٍ واحدٍ، ثمة حقيقة اكتشفناها مُتأخراً، أنّ لنا أوطـاناً داخـل هذا الوطن الواحد.

لا يخـلو مجلس من مجالس الحوار السياسي الواقعي منها والافتراضي، إلا وذكر الحديث عن الأقاليم في العراق، حديثٌ يقع أحياناً بين الطرافة والوجاهة، فكل يدلو بدلوه، مستندين على قرائن وبراهين ديماغوجية فضفاضة، وبرغم الأوصاف التي يراد لشكل الإقليم أن تكون، تبقى هذه الأوصاف.. أوصافاً مؤلمة ومخيفة، لكنها سوف تصـبح واقع حال شئنا أم أبينا!

الوثائق التّاريخية التي يَحتجُ بها كل طرفٍ من أطـراف الصـراع في عراق ما بعد 2003، تؤكد أن الأكراد والشيعة وعبر تاريخ طويل، ومنذ نشأة الدولة العراقية الحديثة عام 1921 استطاعوا أن يمارسـوا العمل السـياسي، بين التحدي الجمعي المكشـوف للسـُلطة، وبين الرضوخ التام للسيطرة عليهم، وهذا ما لا نجده في أبجديات العمل السياسي لدى السُنة، الذين عاشوا خلال تلك الفترة على عرش حكم العراق، شكلاً بدون مضمون.

ليطرح المشهد في محصلته سؤالاً لا يمكن الفرار منه، ألا وهو كيف استطاعت القيادات والنخُب السياسية الكردية والشيعية التمترس والتعايش بين هذين الخيارين؟ وأقصد به خـيار التحدي والرضوخ، كيف استطاعت تلك النخب أن تقدم لجمهورها عدداً من الخيارات، من أجل التمرس على أبجديات العمل السياسي؟ من دون أن تصل بجمهورها إلى ما وصل إليه سنة العراق اليوم.

الحقيقة التي باتت تتكشف للعراقيين بعد 2003 تخبرنا بأنّ الحـوارات المخفية أو المقنعة، والتي لم يعلن عنها إلا عندما أدركت حرصاً، ثم لمست استجابةً من جماهيرها نحو تلك الخيارات، كانت همسات خلف أذن حكام العراق، لم ينصتوا لها أو لم يفهموها أصلاً.

بالعودة إلى موضوعنا، فمشكلتنا مع نظام الأقلمة أو الفيدرالية، وبحسب ما نستخلصه من قراءتنا -بمنظور عراقي- له، قد ظُلِم من منظورين:

منظور أفرط في المدْح
ومنظور فرّط فيها بالذم
فالأول لم يقرأ عن الاقلمة أو الفيدرالية في الغالب، إلا من خلال منظور أيديولوجي، ولنقد أفكار الثاني.
والثاني لم يقرأ عن الفيدرالية من أجل أنها قد تكون الحل، بل من أجل توجيه سِهام التخوين للأولى.

وكأنّ المنظورين المنفعلين الحديين اتخذا من الفيدرالية حلبة للصراع، بدل أن تكون ميداناً للحوار، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الفيدرالية في حاجة ماسة لإعادة قراءتها بعقلانية، وإنصافها وإخراجها من صراع الأيديولوجيا، بلا إفراط ولا تفريط، وبوسطيَّة واعتدال؟

غايتي من هذا أن الجماعات التي تود أن تعلن عن خيار التوجه نحو الدعوة لإنشاء الاقاليم، أود أن أقول لهم، قد لا يخلو حديثكم من وجاهةٍ، لأنه ثمة حقيقة جيوبوليتيكية تشي بذلك، حقيقة لن تجدها في كتب رياض الصالحين أو إحياء علوم الدين أو حتى تحفة العروس، والتي لا تخلو مكتبة من مكتبات السنة منها، كما يخبرني أحد الأصدقاء من باب الطرافة، بل في كتب اعتدنا على إهمالها أو تمزيقها أو حتى حرقها احتطاباً في تنانير الطين.

ليجد سنة العراق أنفسهم فجأة بعد 2003 بلا مشـروع سياسي أو رؤية أو منهج أو إستراتيجية، عبثاً كانت الحياة على طول القرن الماضي. لكن وبعد هذا كله بات هناك سؤال مُلح لدى الكثيرين، هل نضج خيار الدعوة إلى الإقليم بما فيه الكفاية، هل استنفد السنة في العراق جميع الخيارات والبدائل؟

قد يبدو للبعض أن عامل الكراهية للممارسات السلطوية التعسفية، هو ما وحد السنة في العراق، وأصبح هي العامل الأول لإقناع شرائح واسعة من أطياف المجتمعات السنية، التي تعيش اليوم تحت وطأة التهجير وسطوة المليشيات، لـلاتجاه نحو خيار الإقليم، لَكِنِّ هناك من ما زال يبحث عن عامل المحبة المفقود، العامل الثاني الكفيل في طمأنتنا في حال زوال الأول.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد