صدّام حسين البطل الأسطورة؟!

تمجيد القوي وتخليد بطولاته وتقديس تاريخه بات واضحاً في الآونة الأخيرة، ولو أتجرأُ في التعبير أقول إن هذا واضح حتى في التاريخ القريب في الشرق الأوسط، ولو تعمّقنا أكثر نجد هذا النوع من المُبالغة في التمجيد حتى في الجاهلية، كمثال ما كُتِبَ في وصفِ قوّةِ عنترة بنِ شدّاد، هل هذا يعني أن الفكر الشرقي يحترم القوي ويعظّمه مهما كان تاريخه وتوجهه؟ مع ذلك قد يكون هذا النوع من التمجيد ليس حاضراً فقط في الفكر العربي بل في فكر كلِّ قومٍ تغلبه العاطفة

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/01 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/01 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش

في سبتمبر/أيلول من العام الماضي رسمت صورة "إيلان كردي" وهو غريقٌ على السواحل التركيَّة أحدث وصمة عار سطّرها الإنسان في تاريخ حقوقه، وهي آخر ما توصل له البشر من ظلمهم لأنفسهم وهي نتيجةُ جبروت قُوى "نفسي نفسي" على المصلحة العامة، تعاطفَ الشارع العربي وتفاعل مع هذا الشأن كعادته، وكالعادة وبشكل عام اكتفى بالرثاء وبنثرِ نُسخٍ من قصائدَ "وامعتصماه" باحثاً عن مخلِّص دون المبادرة الحاسمة الكاملة التامة لحل الأزمة على ميدان الواقع، الشاهد في الأمر، في خضم أمواج العواطف هذه ومع تفاعل الإعلام بشتّى أنواعه، ومع انتشار الرسوم والكاريكاتورات عن هذا الحدث، انتشرت صورة أو رسمةٌ بتعبيرٍ أدق للرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين وهو يحمل الطفل الغريق "إيلان"، في مشهَدٍ معبِّر وموضّح "أن لو كان صدام حيّاً لما حدث كل هذا ولما تجرأ أحدٌ بظلمه ولكان العدلُ والحق والنصر سائداً في أرجاء أرض العرب".

تمجيد القوي وتخليد بطولاته وتقديس تاريخه بات واضحاً في الآونة الأخيرة، ولو أتجرأُ في التعبير أقول إن هذا واضح حتى في التاريخ القريب في الشرق الأوسط، ولو تعمّقنا أكثر نجد هذا النوع من المُبالغة في التمجيد حتى في الجاهلية، كمثال ما كُتِبَ في وصفِ قوّةِ عنترة بنِ شدّاد، هل هذا يعني أن الفكر الشرقي يحترم القوي ويعظّمه مهما كان تاريخه وتوجهه؟ مع ذلك قد يكون هذا النوع من التمجيد ليس حاضراً فقط في الفكر العربي بل في فكر كلِّ قومٍ تغلبه العاطفة، صدام حسين لَهُ ما له وعَلَيْهِ ما عليه، نعم قد كان له وزنه في المنطقة ونعم قد أجبرَ "بعضاً" من خصومه على احترامه "بالقوة" سواء في العراق أو خارجها، ونعم قد يكون أفضل من غيره أو أسوأ، لكنّي هـنا لستُ بمحل انتقاد صدام أو تحليل سياسته بالشكل المباشر، بل لعِتاب طرح الجمهور العاطفي بالذات من الشباب في هذه المسألة.

صورةٌ داكنة لصدّام وفي فمه سيجارٌ فخم يخرج منها دخانٌ كثيف وأخرى له وفي يدهِ سلاح وثالثة هو فيها بزيّه العسكري بوقفةٍ أسطورية، وتنتصف الصورة عِباراتٌ كالمجيد والمُهيب والبطل والمغوار والمخلِّص أو عباراتٌ موحية بأنه عرَّاب أو مصدر إلهام للقومية العربية وحتى الإسلامية، صُوْرٌ متداولةٌ بين الشباب أو الجمهور العاطفي وتخلق مثل هذه الصور هيبة في صدرِ المتأمّلِ للصورة، ثُمَّ يبدأ السيناريو العاطفي بمواويل الآهات وينتهي بالتباكي بأغنية "لو كان صدّام حيّاً"، وسُخريَة قد تصادف مِن هؤلاء من لا يعرف حتى الحزب الذي ينتمي له صدّام، لكنّك ستعرف أنه يؤمن بقوته ويحترمها، مثل هذه المشاهد والمشاعر لصدّام أو لغيره خطيرةٌ جداً في نَفَسِ المجتمع، أو دعنا نقل في فكر الشباب بالذات وحماسهم وانطلاقاتهم لأهدافهم؛ لأن مشاهد كهذه تجعل المتأمل يتكئ على العواطف والأوهام ويتشبّعُ بها ويتهرّبُ بها عن الواقع دون التفكر بحل أو المبادرة بحراك وتطوّر وإنجاز، وتجعل المتأمل منتظراً لأسطورةٍ جديدة ومخلّصٍ آخر دون اجتهادٍ ودون دافع حاسم من نفسه لتطوير مجتمعه عائلته أو حتى نفسه، بل قد تخدره حتى عن حقوقه ويكتفي بسذاجة إما برثاء الماضي أو الزعم بظهور "صنم" جديد.

في التاريخ،، مات صدّام واعتبره الراثي شهيد العيد، والمُعادي "له" أضحية العيد، لكن المشهد تكرر مجدداً في الشارع العربي، أي المشاعر الجيّاشة واللاعقلانية تتجه لبطل جديد يصعد خشبة مسرح العواطف، بعد أن أثار التواجد العسكري الأجنبي الخليج في القواعد العسكرية الأميركية لتحرير الكويت سابقاً ومنه الوجود العسكري الأميركي الغازي في العراق صخباً في الشارع العربي، تصدّر المشهد هذه المرّة الجماعات الدينية، ووجد الخطاب الإسلامي السياسي الحزبي طريقه في المنطقة داعياً لحرب مقدّسة لطرد "الكفّار" بوصفه ضرباً جديداً من ضروب الاستعمار، ولمخالفة القادة الخونة بحد زعمه المدانين بالفشل في الدفاع عن أراضيهم دون المساعدة الأميركية، امتد هذا الخطاب بين دول المنطقة في عزّ الاستياء السياسي بين الناس لحكوماتهم، وتصدّر هذا النوع من الخطاب المشهد العاطفي، وبدأ الجمهور مجدداً بالتباكي على الماضي وبتمجيد المخلِّص الجديد "الخطاب الذي ظهر مؤخراً".

الأمرُ هـُنا من المنظور السياسي هو عدم وجود نظام قوي فعّال مرن ومتماسك ومتقاسِم القوى مع الشعب في غالب دولنا لإدارة البلد، ويكون النظام هو مخزون الدولة لبقائها ومعتد بنفسه لا بِرأسه (حاكمه أو رئيسه)، فالواقع السياسي في دول المنطقة هو أشبه بهرمٍ زُجاجي ضعيف لكن رأس الهرم فقط حديدٌ فولاذي، حيثُ إذا أزيل الرأس تساقطت جوانب الهرم الزجاجي في أوّلِ وهلة، وهذا ما حدث تماماً مع الرئيس صدام، قد أُعجِبَ الجمهور بفولاذيّته، لكن سرعان ما تساقط كل نظامه من مؤسساتٍ وجندٍ وعسكر وإدارة بمجرّد اعتقاله!! وذلك لعدم وجود توازن بين رأس الهرم وقاعدته، متمثلاً بصوتِ شعبٍ مسموع وإصلاحٍ سياسي واقتصادي ورؤيةٍ واعيةٍ صادقة وباقي الإصلاحات الكاملة لخلقِ بنية قوية للهرم "الدولة والنظام"، الدول القوية والثابتة والمرنة يحكمها نظامٌ عادل يصون رعيته ورؤيته، ويكون الحصن الحصين للدولة والحامي لها، وبه يكون مكوّن الدولة وأساسها متماسكاً صلباً لا يتأثر بسقوط حاكمه أو رئيسه، فإن سقط أو أزيح ينبثق من النظام رئيسٌ وإدارةٌ جديدة، رجوعاً لنظرية الهرم فالدول القويّة تصنَّفُ هرماً كاملاً قويّاً قاعدةً ورأساً، ولا يتأثرُ أبداً إذا بُتِرَ الرأس، هكذا تُدار الدول والمؤسسات وكذا يعتدّ النظام، لا بالأماني واللعب بالعواطف.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد