عسكر وإخوان وصفو زمان المحروسة

إن الخروج من معادلة عسكر أو إخوان التي فرضت على الثورة المصرية تحقيقاً لغايات خبيثة، والانتقال إلى معادلة أخرى تضمن وجود العسكر كضامن لأمن وثروات البلاد، وجماعة الإخوان كضامن للهوية وملهم لأعمال المجتمع المدني وما أحوجنا إليها، هو طوق النجاة لهذه الثورة التي ضحى من أجلها زهرة شباب هذا البلد وأخلصهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/31 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/31 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش

أتأمل الساحة السياسية المصرية وقد مزَّقتها دروب الفتنة والانقسام، حتى إن أغنية "إحنا شعب وانتو شعب" لم تعُد تكفي للتعبير عن هذا الصدع المجتمعي الذي تجلى في أبشع صوره، حين رفض طبيب مناصر لـ30 يونيو/حزيران علاج أستاذه الإخواني المعتقل، وصورة أخرى تتجلى في الطريقة التي يستقبل بها شباب الإخوان الغاضب كلَّ مَن يحاول الانشقاق عن معسكر 30 يونيو، بدعوى أنه رقص يوماً فوق الدماء، كل هذا يجعلني أقف مبهوراً أمام حادثة قديمة، لو كنا درسناها جيداً، لو كنا تأملناها واستخلصنا الفلسفة المناسبة منها، ما كنا عرجنا صوب هذه الهوة السحيقة التي تكاد تبتلع مصر ومِن خلفها منطقة تكاد تشتعل.

لا أحد ينكر أن الهجرة النبوية هي اللبنة الأولى في طريق الدستور وبناء دولة العرب ثم الإمبراطورية العظمى التي أخضعت مشارق الأرض ومغاربها، وأي خطأ تكتيكي في هذه العملية كان سيعرضها كلها للفشل، والمدهش أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد أوكل أمنه وأمن صاحبه وأمر الإبل إلى دليل الصحراء عبدالله بن أريقط وكان على دين قريش، بل لقد جزم عبدالغني المقدسي والنووي أنه لم يسلم قط، فكيف وثق به النبي صلى الله عليه وسلم؟
الإجابة ببساطة أنه كان رجلاً محترفاً مهنياً ذا نزاهة ووعد، وهذا ما لم يدركه الإخوان، فرفضوا استوزار محمد البرادعي حتى ولو من باب الانحناء للعاصفة، كما رفض معسكر 30 يونيو عزم وإدارة الوزير باسم عودة واستبدلوه بالوزير المستقيل خالد حنفي بطل الفضائح!! ففشل الإخوان في البقاء في الحكم، وفشل معسكر 30 يونيو في ستر عوراته!!

والسبب ببساطة أننا لم نفهم قيم العمل المحترف كما فهمها مؤسس الدولة صلى الله عليه وسلم، فصرنا نوكل الأعمال للأهل والعشيرة، ونستبدل العمل الجاد بدعاية الأنصار وترويج المنتفعين وطمس الأخطاء، فكدنا نغرق في بحيرة من التبريرات ذات قاع موحل!!

والسياسة هي العمل الحامل لأحلام الأمم ومشاريعها المجتمعية، هي الفعل المنوط بتحقيق الغايات العليا على أرض الواقع، وهي الوعاء الحاضن للهويات والإرادات التاريخية، ومن العبث اختزالها في صندوق اقتراع أو قبة برلمان أو لافتة حزبية، ومن المؤسف بالطبع اختزالها في دبابة أو سلاح متطور.

وإذا عقدنا مقارنة سريعة بين أردوغان الذي حاول جيشه الانقلاب عليه في يوليو/تموز 2016، وبين الزعيم السوفيتي الأخير ميخائيل غورباتشوف الذي حاول جيشه أيضاً الانقلاب عليه في أغسطس/آب 1990، وكلتا المحاولتين قد فشلت، ولكن بقي الأول في سدة الحكم وازدادت زعامته وكاريزميته، بينما رحل الثاني وتفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يمتلك العدد الأكبر من الدبابات مقارنة بحلف الناتو، نجد أن الفارق هو شرعية الإنجاز، وهنا يكمن سر براعة ودهاء أردوغان الذي انتشل الأتراك من الفقر المدقع رغم تربص مؤسسته العسكرية بفكره الأيديولوجي، وهنا أيضاً يكمن فشل غورباتشوف بالبروسترويكا والجلاسنوت اللتين انتهيتا بنهايته.

لذا فالقائل بضرورة زوال حكم العسكر؛ لأنه فقد شرعية الإنجاز الحقيقي منذ عام 1952 بدليل تراجع المحروسة في كل مناحي الحياة، حتى اقترب بعض المصريين من ثقافة عيش القرون الوسطى، يجب عليه أن يطالب بتراجع خصمه العنيد الذي لم ينجح في الإطاحة بفشله وعجزه وخيانته وتفريطه في الحقوق والأرض أيضاً منذ عام 1952، بل شهد التاريخ لحظات امتزج فيها الخصمان وتكاتفا وتعاضدا وتلازما وتشاركا ضد تيارات أخرى، وليس أدل على ذلك من تصريحات إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، خلال جلسة الاستماع التي نظمتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني، والتي أغضبت رفقاء الدرب في الجماعة الإسلامية قبل أن يعتذر عنها مشكوراً.

يجب ألا تبقى مصر بلا جيش قوي، كما يجب ألا تبقى بلا إخوان مسلمين أقوياء، فلولاهم لضاعت الهوية تماماً زمن احتلال الإنجليز، ونحن جميعاً مدينون للجماعة بذلك، ولكن بات من المنطق ألا يتصدر المشهد بعد زوال السيسي جنرال أو أخ مسؤول، فالأرض أنهكها هذا الصراع المحموم، على أن تترك إدراة البلاد لـ"ابن أريقط" المحترف، لتحقيق أجندة مصرية عربية تنزع فتيل اللغم المتفجر، وتطفو بالقارب الغارق، وتبعث الأمل في الجسد النافق، وتعيد الوعي والثقة للابن المارق.

إن الخروج من معادلة عسكر أو إخوان التي فرضت على الثورة المصرية تحقيقاً لغايات خبيثة، والانتقال إلى معادلة أخرى تضمن وجود العسكر كضامن لأمن وثروات البلاد، وجماعة الإخوان كضامن للهوية وملهم لأعمال المجتمع المدني وما أحوجنا إليها، هو طوق النجاة لهذه الثورة التي ضحى من أجلها زهرة شباب هذا البلد وأخلصهم.

ولنودّع جميعاً عصبيتنا الجاهلية وتحزبنا وتقوقعنا حول أفكار ضيقة وسهام تصيب مطلقها قبل أن تبلغ مرماها، ولنُعطِ الراية لمن يستطيع أن يحلق بها بكفاءته لا بأيديولوجيته، فتماسك الأغلبية يضمن الهوية، وأن نبحث عن الأهداف المشتركة بيننا ونصطف حولها، وأن نرجئ أسباب الفرقة والخلاف لنتحاور بشأنها حين ينعم الأسير بوجه الفجر الرقيق، ويرتاح قلب الثكلى بالقصاص العادل، وتتجدد أحلام الشباب بمستقبل ساطع، وتغدو المحروسة حيث يليق بها، وإلا.. يصدق فينا قول الإمام الشافعي:

أرى حمراً ترعى وتعلف ما تهوى ** وأسداً جياعاً تظمأ الدهر لا تروى
وأشراف قوم لا ينالون قوتهم ** وقوماً لئاماً تأكل المن والسلوى

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد