حكايتي مع “رابعة”

هكذا كانت إرادة العسكر في مقابل إرادتنا التي استمرت ولم يكسرها الفض في التظاهر وإعلان الرفض لحكم العسكر وجرائمه وسياساته التي تدور في فلك العدو التاريخي لهذه الأمة، ذلك العدو الذي عمل كشركة تسويق لهذا الانقلاب، مستهدفاً إيجاد شرعية دولية تمكنه من إبرام الصفقات وعقد الاتفاقيات، وقد تم له لذلك؛ لأنه يحارب الإرهاب المزعوم، وستظل سلطة الانقلاب رافعة تلك الراية المشبوهة حتى ولو لم يكن هناك إرهاب سيصنعونه هم؛ لأن هذه هي شرعيتهم ومصدر بقائهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/31 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/31 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش

حكايتي مع رابعة هي حكايتي مع الإخوان؛ حيث التربية على الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة.

فهمت في "رابعة" أن ما حدث هو انقلاب عسكري على سلطة منتخبة، وأن هذا الانقلاب هو سلطان جار على حق الأمة في اختيار مَن يحكمها ويسوس أمورها، وأمام هذا الاعتداء على حق الأمة، فان تربيتي تلزمني الجهاد، إلا أنه لم يكن في أيدينا ونحن في "رابعة" أي من أدوات القوة سوى الكلمة، فجاهدنا بها وعلا صوتنا ودوَّى هتافنا: "يسقط يسقط حكم العسكر.. حكم العسكر باطل باطل"، لكن كان للباطل كلمة أخرى: "الإخوان خرفان".

وأعترف أنني ما فهمت هذه الكلمة التي روجت لها فضائيات وصحف وأقلام إلا بعد الاعتصام، كما أعترف أنني ما كنت أفهم قولهم: الإخوان باعوا قناة السويس لقطر، وحلايب وشلاتين للسودان إلا بعد وقوع الانقلاب، فقد أرادوا بها أن يمهدوا الأجواء ليتقبل الناس فكرة إزاحة الإخوان بالقوة العسكرية، كما أرادوا بقولهم: الإخوان خرفان، أن يقطعوا الطريق على أي تعاطف شعبي مع الإخوان حين تقع المذابح، ولكي يقطعوا الطريق على الإخوان أنفسهم في حقهم في الدفاع عن أنفسهم، قالوا: الإخوان إرهابيون، كما قطعوا الطريق عليهم من قبل بقولهم أخونة الدولة؛ ليمنعوهم من تطهير مؤسسات الدولة.

كنت مخلصاً، وما زلت، لدعوة الإخوان المسلمين، ودفعني هذا الإخلاص إلى الاستجابة لكل تكليف بالنزول والمشاركة في أي مسيرة أو مظاهرة، لكن الاعتصام في رابعة لم يكن كأي مسيرة أو مظاهرة نتجمع فيها، ونهتف ونستمع إلى بعض الكلمات ثم نختم وننصرف، كان الاعتصام مختلفاً تماماً، فمنذ اللحظة الأولى لإعلان الانقلاب العسكري، وجدتني عاقد العزم على عدم الانصراف والرجوع إلى بيتي، فبيتي صار هو الميدان، وأهلي هم المعتصمون، فيه كبيرهم أبي وأمي، وصغيرهم أخي وأختي، أختي التي رموها بتهمة جهاد النكاح إفكاً افتروه وأعانهم عليه قوم آخرون، فما وهنت وما ضعفت، وما استكنت كهؤلاء الرجال ذوي اللحي المعطرة الذين آثروا السكوت والسلامة، وتجردوا من النجدة والشهامة.

وفي مقابل هذه النماذج وجد في رابعة نماذج من طراز مختلف، علماء بحق، ودعاة إلى الله بصدق، تجردوا من الجبن والخوف وتحلوا بالنخوة والشجاعة، توجهوا إلى دار الحرس الجمهوري يتقدمون المئات من المتظاهرين، فقابلتهم رصاصات العسكر، وكانت هذه دلالة واضحة على أن العسكر لن يتورع عن القتل وسفك الدماء، فوالله ما تراجعنا ولكن مضينا حتى اعتصمنا أمام دار الحرس الجمهوري، وعلا صوتنا بالهتاف وأناشيد الجهاد وذكر الله والقرآن، فما ارعوى هؤلاءِ عن ارتكاب جريمتهم، وقتلوا العشرات في صلاة الفجر، فيما يعرف بمذبحة الحرس.

كنا في أرض خوف نحرس وطناً من أن تسرق إرادة أبنائه وحريتهم وكرامتهم، أصابنا الخوف، لكن ما جبنا عن المواجهة في النصب التذكاري، وقتل منا العشرات في مذبحة المنصة بعد جمعة التفويض، فما زادتنا الدماء وارتقاء الشهداء إلا مزيداً من الثبات على المبدأ والتضحية في سبيله، مستعينين على ذلك بالصلاة والصيام والقيام والقرآن، كأننا في مخيم تربوي يزكي نفوسنا ويقوي إرادتنا ويحرك عزيمتنا ويعلي همتنا؛ لتأتي ساعة الفض لأربعة عشر يوماً خلت من شهر أغسطس/آب لعام 2013 .

قتل في يومها الآلاف من المعتصمين في رابعة والنهضة، ذلك الميدان الآخر الذي شهد مجزرة بين السرايات الأولى والثانية، وأحرقت فيه جثث المصابين والشهداء، كما أحرقت في رابعة رأيناها في مسجد الإيمان ورأينا معها كيف أن السلطات تشترط أن يكتب أن سبب الوفاة هو الانتحار أو حادث مروري؛ لكي يعطى التصريح لأسر الشهداء الذين توافدوا على مسجد الإيمان لتسلم جثث ذويهم، فلا كرامة إنسانية لميت ولا عيش بحرية لحي.

هكذا كانت إرادة العسكر في مقابل إرادتنا التي استمرت ولم يكسرها الفض في التظاهر وإعلان الرفض لحكم العسكر وجرائمه وسياساته التي تدور في فلك العدو التاريخي لهذه الأمة، ذلك العدو الذي عمل كشركة تسويق لهذا الانقلاب، مستهدفاً إيجاد شرعية دولية تمكنه من إبرام الصفقات وعقد الاتفاقيات، وقد تم له لذلك؛ لأنه يحارب الإرهاب المزعوم، وستظل سلطة الانقلاب رافعة تلك الراية المشبوهة حتى ولو لم يكن هناك إرهاب سيصنعونه هم؛ لأن هذه هي شرعيتهم ومصدر بقائهم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد