تنويه: ما ستقرأه في السطور التالية لا يعني أبداً أن جماعة الإخوان المسلمين لا تتحمل بشكل أساسي مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها مصر، وضياع فرصة تاريخية في استعادة تموضع طبيعي في حكم مدني لم تكن الجماعة ستعتليه لعقود، بل إنما انتقال وتبادل سلس بين التوجهات المدنية غير العسكرية المختلفة.
"الجماعة" التي تصدرت المشهد بجانب حركات وشخصيات سياسية وثورية أخرى منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حتى الإطاحة بها في صيف 2013، ووصلت خلافاتها الداخلية ذروتها بين طرفي الصراع (الحرس القديم ممثلاً في جبهة محمود عزت، والشباب ممثلين في جبهة المتحدث المقال محمد منتصر)، إلى التشكيك في الذمم المالية، والتخابر مع الأمن المصري، نالتها وتنالها منذ سقوط المخلوع حسني مبارك في ثورة يناير، طعنات من الخلف من قِبل مؤيدين ومناصرين لها على مدار 3 مراحل بارزة.
أولى الطعنات الخلفية في ظهر الإخوان كانت من أهل الدين، مع بداية تشكيل تحالف إسلامي قوي مع حزب النور (الذراع السياسية للدعوة السلفية)، واكتساح مقاعد أول برلمان بعد الثورة، وإقرار دستور رفضته وهاجمته قوى علمانية متشتتة آنذاك، وانتهاء بتأييد مطلق للإطاحة بنظامهم، والتسويق الديني لما يفعله معهم نظام السيسي.
فعلى سبيل المثال، خاض نواب حزب النور في البرلمان المنتخب في 2011، معارك حول تحريم دراسة اللغة الإنجليزية في المدارس المصرية، وتشميع التماثيل الأثرية، وتغطيتها، والتمسك بالمادة الثانية في الدستور "الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع"، غير أن هذه المواقف تبدلت مع الإطاحة بنظام الإخوان، فمن ناحية "الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع"، اعتبر الحزب عقب انتهاء انعقاد جلسات "لجنة الخمسين" لإعداد الدستور الحالي، أن "المادة الثانية ليست قرآناً"، في إشارة إلى أن تنازله عن "الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع"، كما غابت المعارك التي خاضوها سابقاً حول السياحة وتحريم الفوائد الربوية في القروض التي تتعاقد عليها الحكومة مع دول ومنظمات أممية.
"منصة رابعة.. عدو عاقل أفضل من صديق جاهل"، هكذا يمكن أن نوصف اللدغة الثانية التي تعرضت لها الجماعة، دون أن تتعلم الدرس من طعنات حزب النور.
فعلى مدار شهر ونصف تقريباً من اعتصامَي رابعة والنهضة، استغل الإعلام المعارض لمرسي تصريحات لعدد من وجوه ورموز المنصة، في التحريض على فضهما وشيطنتهما في آن واحد، حيث لم تشفع هتافات السلمية، وسلميتنا أقوى من الرصاص، أمام "اللي هيرش مرسي بالمية هنرشه بالدم، وسنسحقهم.. إلخ".
كالعادة، لم تتعلم الجماعة الدرس، فمنذ فض رابعة، لا تبدي الجماعة أي سلوك تجاه هؤلاء الذين باتوا محسوبين عليها، أمثال الصحفي الـ"مشهور"، وتلك التي خرجت من الباب الخلفي للشؤون المعنوية، إلى تولي منصب "الناطق الرسمي باسم التكفيريين ونسف الأصنام القديمة والتشكيك في كل الإنجازات الوطنية العسكرية للجيش المصري".
وعلى مدار شهور، تصدرت إعلامية ذائعة الصيت وآخر خرج فجأة وانتشر فجأة، معسكر مؤيدي الإخوان، بالتشكيك واللعن والسب والتكفير في كل ما يمثل الجيش المصري والأزهر والكنيسة والمؤسسات السيادية عامة، في خطة شبه مدروسة بالقضاء على أي محاولة تراجع لهؤلاء المتعاطفين من الجانب الآخر.
ورغم وجود تحركات فردية من جانب قيادات وشخصيات ذات ثقل، لفضح هؤلاء "المندسين"، يبقى صمت الجماعة وسكوتها دون إصدار بيان تبرؤ رسمي هو الغالب على مشهد قد يفسره كثيرون بأنه "السكوت علامة الرضا".
وفي النهاية يتبقى التذكير بالحديث الشريف: "لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين"، لكن يبدو أن هناك من يتلذذون باللدغات والطعنات بسكاكين "تالمة"، من الخلف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.