تحكي لنا كتب التاريخ عن عملية عسكرية فاشلة من قِبل قوات دول المحور بقيادة النازية الهتلرية للاستيلاء على مدينة لينينغراد "الآن سانت بطرسبرغ الروسية" أثناء الحرب العالمية الثانية.
استمر الحصار من 9 سبتمبر/أيلول 1941، إلى 18 يناير/كانون الثاني 1943 عندما استطاع السوفيت فتح معبر بري إلى المدينة.
رُفعَ الحصار تماماً في 27 يناير 1944، أي بعد 872 يوماً من بداية الحصار، كانت المدينة هي الهدف الرئيسي لعمليات الجيش الألماني التي كانت تشمل ثلاثة أهداف، إذ إنها المدينة التي ولد فيها الزعيم الروسي لينين، وكذلك هي مهد الثورة الشيوعية.
وكانت نهاية الحصار نقاط التحول التاريخي في مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء، وبداية النهاية لجيوش المحور التي كانت قبل عامين على مشارف عاصمة السوفيت موسكو، حيث تم القضاء على الجيش السادس الألماني في ستالينغراد، وبدأ منها الزحف نحو برلين، هذه رواية التاريخ باختصار.
فهل يعيد التاريخ نفسة اليوم في اليمن في مدينة تعز، شرارة ثورة فبراير/شباط وروحها، التي زحفت نحوها ميليشيات الحوثية النازية من شمال الشمال، في إطار عملية توسعية نازية يقودهم زعيم نازي متسلح بفكرة الاصطفاء الإلهي وميليشياتة البربرية بتاريخ 25 مارس/آذار 2015م.
فرضت الميليشيات على المدينة حصاراً شاملاً من جميع الجهات تجاوزت أيامه حتى هذه اللحظة أكثر من 360 يوماً، مستهدفاً كل أشكال الحياة في المدينة، وارتكبت بحق تعز وأبنائها كل جرائم التمييز العنصري، مجازر بحق الأطفال والنساء، ومنع الدواء للمرضى، تركت المدينة تواجه قدرها النازي، دون تدخل جاد من أحد.
انتفضت تعز في عملية نفرة تاريخية، لتواجه قدرها السيئ بقدر رجالها الذي خرجوا كالعنقاء، بأقلامهم وأسلحتهم الشخصية وكتبهم الجامعية، يطاردون الموت والجهل في شوارعها وقراها، وينظفون وجه الحياة في تعز من كل أكدار الطائفية وأوساخ العفاشية، ويكتبون قصيدة البنطلون التعزي الذي يصنع النصر.
تعز أمس واليوم حالة ثورية جديرة بالتأمل، تشكل خميرة الثورة الثقافية، وإلهامها المستمر، والتعامل معها بعيداً عن هذه الحالة خطأ فادح، فالحالة الثورية تيار متدفق لا يتوقف عند جنادل السياسة وعوائق الحسابات السياسية، وهذا يتطلب رجالاً يمتلكون روحاً ثورية عند التعامل مع ملف تعز، وهذا قدر التاريخ، بدون هذه الروح ما كان لأحد القدرة على وقف التدفق الطائفي القادم من الشمال.
تعز المتمترسة بالجيو استراتيجية العالمية، وتحتضن أهم مضايق العالم مضيق باب المندب، وتشكل منطقة التعايش التاريخي بين الشمال والجنوب، مشعل فبراير ومن قبله سبتمبر، تدفع ضريبة باهظة، ضريبة المستقبل الكريم والوطن الحر الجمهوري، بالأمس تعز منحت ثورة 26 سبتمبر روحاً أسقطت به حكم السلالة المستبدة، وقدمت قدراً خيراً من أبنائها لأجل مشروع الجمهورية، أمثال عبدالرقيب وعبدالعالم، الذين أثبتوا للعالم كم تعز مستعدة لدفع الغالي لأجل بناء دولة المدنية، واليوم تدفع ضريبة إطلاق شرارة ثورة فبراير 2011م ضد نظام النازية الصالحية، وما زالت قادرة على التأثير بقوة الكلمة وصناعة الوعي ضد نظام الملالي الجدد.
تعز اليوم ترسم خريطة المستقبل اليمني، بلون وطني قاني، وتدرك أن خط التحرير مر طعمه غالٍ ثمنه، تدفعه راضية عزيزة مع الشروق والغروب من خيرة أبنائها وأبناء اليمن، شهداء تعز في مسيرة الحرية ومحراب الكرامة، هم خير ما أنبتت الأرض اليمنية من المهرة حتى مأرب، وهم خليط من هنا وهناك، فكل يمني اليوم في تعز هو تعزي، وهو خيار ثوري حميري في مواجهة الدخلاء.
اليوم تعز في مواجهة مصيرية مع انتقام نظام صالح الذي همشها في الماضي، وحقد ميليشيات الكهوف القادمين من مغارات الجهل والتخلف في صعدة لأجل إخضاعها وتدجينها لسلطة المركز المقدس ليبدأ فصل جديد من فصول التاريخ الذي بدأه أبناء تعز لخوض معركة مصيرية على الأرض، تنتصر لكل شبر من أرض اليمن، وهم قادرون على صناعة نقطة تحول مهمة من نقاط التاريخ لتغيير موازين القوى على الأرض.
تعز كان يراد لها أن تتحول إلى ملف سياسي على طاولة المفاوضات والمزايدات لتحقيق مكاسب بلا بعد إنساني أو قانوني، طمعاً في إعادة تدوير نخبة فاسدة، تجيد استغلال نضالها في التحرير وإقصائها من القرار السياسي، لكن جليات اللحظة التاريخية اليوم وما أفرزته من قيم ورجال سيكون لها قول آخر في مسيرة التاريخ، وانعطافات التحرر الجديد.
العجيب في معركة تعز أن هناك إدراكاً كبيراً لأهمية تعز جغرافياً وتاريخياً في ميزان المعركة العسكري والسياسي لدى معسكر الانقلابيين وحلفائهم، ولذا فهم حريصون على إسقاطها أو إخضاعها أو استنزاف قواها، بينما لا نشعر بوجود هذا الإدراك لدى الحكومة ودول التحالف لتحويل تعز إلى لينينغراد جديدة في معادلة الصراع، بل هناك كيد خفي يشعر به كل تعزي في الميدان، سواء المقاوم أو العسكري أو السياسي أو الحقوقي، وهو يتابع الخطاب الإعلامي والهجوم من أطراف محسوبة على الشرعية على تعز التي يتصدرها وزراء ومحللون سياسيون وإعلاميون، لتشويه صورتها وتركها لقدرها، بل هناك من يسعى جاهداً لجعل من تعز فلوجة أخرى، ويعمل بالخفاء والعلن على صناعة جماعات وظيفية تؤدي دور داعش أو القاعدة؛ ليحول تعز إلى خطر عام على اليمن والمنطقة.
أعتقد أن بين الحكومة اليمنية الشرعية في الرياض والحكومة الروسية أثناء الحرب العالمية الثانية بوناً شاسعاً؛ حيث حولت الحكومة الروسية (بطرسبرغ) لينينغراد إلى نقطة تحول في الحرب لعالمية الثانية، قضت على أحلام النازية، والأسباب منها القيادة السياسية التي كانت على رأس المعركة العسكرية في روسيا، وحسن استغلال الإمكانيات المتبقية بعد أن استولى هتلر على 40% من الاقتصاد الروسي، ما جعل ميزان القوى يميل مع الوقت لصالح الروس الذين فاقوا الألمان في الصناعة العسكرية، قبل فك الحصار، وأعتقد أن إهمال تعز لا يعود إلى ضعف القيادة السياسية وعجز الحكومة عن التحول إلى رقم حقيقي على الأرض المحررة، تمارس دورها وسلطاتها الشرعية وإيجاد مشروع تحريري حقيقي يذيب الخلافات الظاهرة، وامتلاكها لقرارها السياسي في إدارة الشأن اليمني، وأعتقد أن الحكومة بحاجة لحل نفسها وإعلان حكومة حرب تحقق أهداف الشرعية، المتمثلة بكسر الانقلاب واستعادة الشرعية.
في اعتقادي أن تعز ستضع قدرها وستواجه كل المعارك القروية والريفية التي فتحت في الجسد التعزي لإنهاكها واستمرار نزيفها، وسيستمر عجز الساسة في حكومة هادي، خاصة أبناءها حتى تقرر مصيرها بعيداً عن الكواليس؛ لتتحول إلى نقطة انعطاف كبرى في معركة التحرير وسكون لينينغراد اليمن لإسقاط المشروع الأمامي الطائفي الإيراني، وستجبر الجميع على التعاطي معها بثورة متناغمة لا بسياسة لئيمة وحتى ذلك الحين ستدفع تعز الكثير من الأرواح والدماء.
تعز قدر الكبار أن تتصدر مسيرة التحرير رغم الخذلان والوجع والنزيف سيكتب التاريخ عن ملحمة المستقبل التي كانت تعز مبتدأها ومنتهاها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.