على الطريقة السورية وبذات الخلطة يمضي الدب الروسي إلى صنعاء فاتحاً الطريق أمام الحليفة إيران؛ لتبسط النفوذ في هذه البلاد التي تنكب لها العالم وتركت فريسة للتجاذبات الدولية والإقليمية حتى صارت نهباً بلا صاحب، وفق المنطق الذي يقول: هي إما لك أو لأخيك أو للذئب، وكلهم بالطبع ذئاب.
في التفاصيل التي لا تقل أهميه أن روسيا لم تنتظر طويلاً بعد خطاب الرئيس فلاديمير بوتين في نيويورك، وبادرت في 30 سبتمبر/أيلول 2015، بعد طلب بشار الأسد الإسناد الجوي، إلى تنفيذ سلسلة من الغارات شملت محافظات حمص واللاذقية وحماة، وتنوعت أهدافها، ولم تستثنِ فصيلاً، من تنظيم "داعش" إلى "جبهة النصرة" إلى "حركة أحرار الشام" وصولاً حتى إلى فصائل تابعة لما يسمى "جيش الفتح" و"الجيش الحر"، بما يعنيه ذلك من رسالة روسية صارمة بأن ولاءات وانتماءات هذه الفصائل إقليمياً لا تعني لموسكو شيئاً.
ولم تتوقف الأسئلة من هذا التاريخ: هل هذا التدخل لحماية حليف تآكلت أطرافه بفعل الثورة؟ أم أنها بداية تصعيد جديد؟ ماذا يريد الروس فعلياً؟ وهل هو تدحرج إقليمي نحو دول أخرى لحماية حلفاء آخرين، أم أنه مؤشر على بلورة تفاهمات، إقليمية ودولية، ربما حان قطافها؟ ومن سيخرج رابحاً في المشهد الجديد الذي اقتحمه الروس بقوة؟ وما هي لائحة الخاسرين عربياً وإقليمياً بعد أكثر من خمسة أعوام من الرهانات على ميل ميزان القوى يوماً ما نحو الثورة والثوار -رغم شح حلفائها- واختفاء الأسد وجيشه الطائفي لصالح التفرغ لتنظيم الدولة ووحشيتها. ما هي خطط الروس واستراتيجيتهم العميقة في بناء تحالفات طائفية وقبلية بالمنطقة؟ وما هي مآلات ذلك؟ ما هو رد الفعل المتوقع إقليمياً؟ هل انسحاب أميركا من المنطقة مخطط له مع الروس أم أنه عشوائي وفوضوي؟
لم تعطِنا الأحداث كثيراً من الوقت للرد على بعض هذه الأسئلة، فقد اعتمد التدخل الروسي الذي أدخل المنطقة في معادلات جديدة إقليمياً ودولياً، على هدف معلن وهو مكافحة "الإرهاب" المتمدد في المنطقة، في ظل فشل "التحالف" الذي أعلنته الولايات المتحدة قبل نحو عامين بذريعة دحر التنظيمات "الإرهابية" في المنطقة برمّتها، غير أن الدول العظمى -ذات النزعة الاستعمارية- ليست طوباوية إذا تعلق الأمر بالمصالح والنفوذ وبسط السيطرة.
في هذا السياق رأت روسيا أن حلفاءها في الساحة اليمنية الحوثي – صالح يحتاجون إلى مزيد من التأهيل، والتي تعني بالضرورة كجزء من متطلبات التدخل اكتساب شرعية جزئية تتحطم عليها العقبات التي تعرقل أشواق الروس في اقتحام الملف اليمني، والولوج إلى صنعاء "فاتحين" والمتمثلة في القرارات الدولية والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً برعاية بعض الأطراف الإقليمية.
دارت عجلة الإجراءات هناك بسرعة بعد تراجع قوات الحوثي – صالح تحت وطأة ضربات التحالف العربي والمقاومة الشعبية مثلما حدث مع قوات بشار تماماً قبل ظهور مسمار الروس الذي هو (تنظيم الدولة) أو هكذا قالوا، الأمر الذي يتطلب سرعة التدخل لانتشال الحلفاء قبل فقدان السياسة مع فقدان الميدان، ولما كان علي عبد الله صالح يتمتع بذكاء سياسي معهود، أعلن عن "مجلس سياسي أعلى لإدارة شؤون البلاد" مكون من 10 أعضاء مناصفة بين حزبه المؤتمر الشعبي العام، والحوثيين وحلفائهما السياسيين، وأدى المجلس بالفعل اليمين الدستورية يوم الأحد 14 أغسطس/آب أمام نواب حزب المؤتمر الشعبي الذي منحه الثقة التي ستعني من وجهة نظر حلفاء صنعاء إلغاء شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي بنقل صلاحياته إلى هذا المجلس السياسي (الرئاسي عملياً)، والشروع بإجراءات تشكيل حكومة جديدة أحادية الجانب، في انقلاب جديد على الحكومة المعترف بها دولياً من وجهة نظر قوى المعارضة السابقة والمجتمع الإقليمي والدولي.
لاستكمال المشهد خرجت حشود غفيرة بميدان السبعين في صنعاء وصفت بأنها مليونية للاحتفال بالمجلس السياسي الأعلى، بثتها قناة اليمن التابعة لعلي عبد الله صالح.
لم تغِب روسيا وإيران بالطبع عن هذا المشهد بل كانت حاضرة في جلسة أداء اليمين الدستورية، ونقلت قناة اليمن اليوم التابعة لعلي عبد الله صالح، على لسان القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء، "أوليغ دريموف" تصريحات تفيد بتأييد روسيا للمجلس الأعلى، الأمر الذي انتقده المجتمع الدولي وتطلب إيضاحاً من "دريموف" نقلته جريدة الشرق الأوسط، قال فيه بأنه تمت إساءة فهم تصريحه، وأكد خلاله أن موسكو رسمياً وقانونياً لا يمكنها الاعتراف بحكومتين حسب قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
غير أن موقف روسيا الملتبس سرعان ما زال غموضه بإفشالها مشروع بيان في مجلس الأمن الدولي بناء على اقتراح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، يدين الخطوات التي أقدم عليها الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي/جناح صالح، بتشكيل مجلس سياسي أعلى لحكم اليمن من جانب واحد.
بعد أيام قليلة أبدى صالح استعداده لمنح تسهيلات لروسيا في القواعد العسكرية والمطارات والموانئ اليمنية فيما يشبه الاستدعاء السوري.
وقال إنه سيقوم بمنح روسيا هذه التسهيلات من أجل ما سماه "مكافحة الإرهاب"، واصفاً روسيا، خلال حوار مع تلفزيون "روسيا 24″، بأنها "أقرب الأقربين"، مضيفاً: "لها مواقف إيجابية في مجلس الأمن، ونحن نمد أيدينا إليها للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب المدعوم من دول العدوان"، وأضاف: "لدينا اتفاقيات مع روسيا منذ عهد الاتحاد السوفيتي، ونحن على استعداد لتفعيلها".
بخطوة متوازية خفضت واشنطن عدد مستشاريها العسكريين لدى التحالف العربي في اليمن اتساقاً مع سياستها الجديدة في الشرق الأوسط الذي بات يعرف بـ"الانسحاب الأميركي" وهنا يمكن أن يثور التساؤل: لماذا؟؟ وهو ما حاولت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأميركية الشهيرة الإجابة عنه في تقريرها بقولها إن الانفصال عن الشرق الأوسط أصبح مسألة أمن وطني؛ لأن التدخل الأميركي الزائد في شؤون الشرق الأوسط الكبير، يمكن أن يلحق ضرراً كبيراً على أمن الأميركيين في الداخل؛ إذ إن السياسات المتبعة غالباً ما كانت تقف على الجانب الخطأ من الصراعات الداخلية والإقليمية في هذه المنطقة، ودعم الأنظمة الاستبدادية للحفاظ على السيطرة على اضطراب السكان، والأهم من ذلك فقد تجاوزت مشاركتها، وخاصة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
وانتقد التقرير تحركات السياسة الخارجية المتهورة على نحو متزايد في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن الرياض تسببت في انخراط واشنطن في صراعات غير ضرورية، كما هو الحال في اليمن.
وعلاوة على ذلك، أدى انتشار النفوذ السعودي في الشرق الأوسط -بحسب التقرير- إلى ظهور الشكل الأكثر خبثاً من الإسلام المتطرف الذي يهدد ليس فقط المنطقة، ولكن المصالح الأميركية أيضاً.
وشدد التقرير على أن دعم المملكة العربية السعودية للجماعات الإسلامية المتطرفة يجب ألا يكون مقبولاً من جانب الولايات المتحدة.
في ذات السياق، اعتبر التقرير أن أمن السعودية وموازين القوى في الخليج لم تعد مخاوف أميركية حيوية، خصوصاً أن العلاقات بين واشنطن وطهران تمضي على قدم وساق في أعقاب الاتفاق النووي.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك إدراك مكتشف حديثاً في واشنطن أن طهران لا تشكل خطراً كبيراً على المصالح الأميركية في المنطقة، وينبغي أن تدرك المملكة العربية السعودية أنه حان الوقت لعدم الاعتماد على الدعم الأميركي في التنافس مع إيران وبقبول توازن جديد للقوى في المنطقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.