مع انطلاق ثورات الربيع العربي، وبالتحديد في مصر خلال فترة المد الثوري، ظهر الكثير من النشطاء السياسيين والحقوقيين وأصحاب أعمدة الرأي والإعلاميين الذين كانوا يدّعون انحيازهم لمطالب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ثم بعد ذلك انكشفت حقيقة قطاع كبير منهم وشاهدنا كيف تم توظيفهم لخدمة أهداف "مضادات الثورة".
ومن الواجب الآن التصدي بمنتهى الحسم لتلك النوعية الانتهازية الباحثة عن التربح على حساب الشعب وتصنيفها بخندق الاسترزاق السياسي، والتأكيد أن هذا الخندق من الأسباب الرئيسية لعرقلة انتصار الثورة المصرية.
يشرح المفكر الاشتراكي الثوري آلان وودز عندما تفتقد الجماهير لقيادة وحزب وبرنامج واضح تعمل على الاتجاه نحو الزعماء الأفراد الذين يبدون لهم وكأنهم يجسدون تطلعاتهم.
وهذا ما حدث بالفعل في مصر منذ 25 يناير 2011، فالحراك الشعبي الثوري -الذي تغلب عليه العفوية- انخدع كثيراً فيما يمكن أن نطلق عليه الزعماء والرموز المصطنعة، وكانت البداية مع " ائتلاف شباب الثورة" هذا الكيان النخبوي الذي تشكل بطريقة فوقية مصطنعة دون أن يعبر عن قواعد جماهيرية، وتم الترويج له وتلميعه وتنجيمه إعلامياً، وظهر أعضاؤه في المنابر الإعلامية المختلفة وكأنهم أعضاء مجلس قيادة الثورة وهم من قاموا بالتخطيط لها وحشد الجماهير للمشاركة بها، رغم كونه ائتلافاً تشكل من عدد قليل من الأفراد المصابين بتشوش الرؤية السياسية، وكان إنجازهم الوحيد الحصول على مكاسب شخصية عديدة بشكل أناني وانتهازي، لتساعد وتكرس ظاهرة الائتلاف في تغذية الميول الانتهازية لجزء من القوى الشبابية التي شاركت في الثورة، فالبعض كان يحلم بأن يحصل على نفس نجوميتهم والمكانة الاجتماعية الجديدة التي حصلوا عليها، ليتكون بعد فترة عدد من الكيانات على غرار الائتلاف؛ لتنتهي بظهور حركة تمرد في 2013، لنشاهد خيانة هؤلاء للشعارات "الثورية" التي كانوا يتشدقون بها، وانتقال بعضهم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ورغم أن عدداً منهم كان يحاول أن يجمع بين نهج الاسترزاق السياسي والظهور بمظهر المناضل فإن انحيازهم لبروباغندا مضادات الثورة كان يفضحهم.
والإجابة عن لماذا يجب التصدي للاسترزاق السياسي؟ وكيف؟ تكون بأن انتصار الثورة لا يعتمد على وجود الوضع الثوري الموضوعي فقط، بل يعتمد أيضاً على حقيقة القوى والعناصر الثورية والجهود التي تبذلها لكي تنتصر الثورة.
والصمت عن تربح مرتزقة الاسترزاق السياسي من الثورة يعني أننا نسمح بوجود عناصر تخريبية ضمن صفوف الثوار وأنهم يشكلون عبئاً وعائقاً في طريق الحزم الثوري، وعلينا مقاومتهم باستماتة وكشف أكاذيبهم وفضحها أمام الجماهير، ولنعمل بنصيحة فلاديمير لينين عندما قال:"يجب علينا أن نجمع بين روح الاندفاع في العمل الثوري العظيم والتقييم الهادئ والمتزن للأفعال المسعورة والمجنونة للبرجوازية".
ونصيحة لينين في منتهى الدقة؛ لأن بالفعل معسكر الاسترزاق السياسي جزء منه يصنف كبرجوازية والجزء الآخر يمتلكون "أوهام البرجوازية الصغيرة"، التي تحاول الانتقال من شريحتها الطبقية إلى شريحة طبقية أعلى، وخصوصاً أن أصحاب هذه الأوهام يوجد منهم ضمن صفوف الثورة أيضاً، ومن الضروري الانتباه لهم وتصحيح رؤيتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.