من فشل إلى آخر، هذا هو ملخص مسيرة الإعلام الإخواني منذ الـ 30 من يونيو/حزيران وحتى الآن، فرغم إطلاق العديد من القنوات والمنصات الإعلامية على مدار الثلاث سنوات الماضية، فإنه لم يحدث تأثير حقيقي ملموس، في ظل إنكار من جانبهم.
حاول الإخوان طيلة الفترة السابقة استمالة شرائح الشعب المصري المختلفة دون جدوى، سواء عن طريق افتتاح قنوات جديدة عقب فشل أخرى سابقة لها، أو من خلال إدخال بعض التغييرات الطفيفة على الرسالة الموجهة، إلا أن النتائج غالباً ما تأتي عكسية.
استهدفت الجماعة في خطابها الإعلامي بعض التابوهات في العقل الجمعي المصري، أو ما يمكن تسميته بالثوابت، مثل المؤسسة العسكرية، التي لا تزال شبه مقدسة عند جموع الشعب المصري، رغم ما تمر به البلاد تحت هيمنتها.
آثار الخطاب الإخواني الموجهة للشعب المصري كانت تأتي بآثار عسكية دائماً، ففي وجهة نظر الشعب، كيف لهؤلاء الذين يهاجمون الرئيس والحكومة من تركيا، تلك الدولة التي لم ينفك رئيسها عن مهاجمة السيسي دائماً في خطاباته منذ اللحظة الأولى، أن يتمنوا الخير لهم أو لبلدهم.
بالطبع لا ننسى دور الإعلام المصري الخاص في التأثير على المواطنين العاديين، فمنذ اللحظة الأولى استطاع إعلام رجال الأعمال جذب الكتل غير المؤدلجة، وتأجيج مشاعرهم تجاه كل ما هو إخواني، بالإضافة إلى بث رسائل تشجيع ودعم للنظام والرئيس المصري ضد "أعداء الوطن في الخارج".
رغم الاقتصاد المنهار والسياسات المفتقدة لأبسط قواعد الديمقراطية، استطاع إعلام رجال الأعمال النجاح في مهمته والتأثير على الرأي العام وتوجيه دفته، في ظل تبريرات واهية من جانب الإخوان فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي.
قبل سرد أسباب تردي الإعلام الإخواني، فإن الأزمة الحقيقية سياسية الطابع، سببها عدم قدرة الإخوان في بداية الأزمة على تفهم مطالب الشارع ومسايرة تطلعاته، فكانوا "كمن يؤذن في مالطا"، ففي حين كانت أغلبية الشعب المصري تتطلع إلى المستقبل عقب طيّ صفحة مرسي، كان الإخوان مصرين ولفترة قريبة على المطالبة بعودة مرسي إلى الحكم في وسائل إعلامهم.
بعد مشكلة الأهداف، تأتي أزمة الخطاب، بما يحمله من هجوم على ثوابت في العقل الجمعي المصري، كالهجوم على الجيش أو في ظهور بعضهم على هذه القنوات، يدعو إلى تعطيل مصالح الناس وحياتهم اليومية وتخريب المرافق العامة، ظناً منهم أن هذا يساعد في إطلاق شرارة ثورة جديدة.
عبيد البيادة
بالإضافة إلى ما سبق، يأتي الخطاب أو اللهجة الاستعلائية التي تضمنتها رسائل الجماعة الإعلامية، والتي قد يراها أفراد الجماعة عادية، في حين كان يشعر المواطن العادي تجاهها بالغضب، مثل جمل: "الحرائر" و"عبيد البيادة" وما إلى ذلك، والتي أدت إلى نفور المواطن العادي.
يأتي بعد الخطاب، نوعية الضيوف، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين حرضوا على العنف على الهواء مباشرة، أو أولئك أصحاب الخطاب الديني المتطرف، بالإضافة إلى مقدمي البرامج الذين يفتقدون الكياسة وأدب التعامل مع المحسوبين على المعسكرات السياسية الأخرى، بجانب السماح للجمهور المؤيد بالإساءة بفجاجة ضد الخصوم خلال المكالمات الهاتفية.
يجب الإشارة أيضاً إلى بعض الرموز والشخصيات على السوشيال ميديا، التي أصبحت محسوبة على الإخوان المسلمين رغم أنهم ليسوا تابعين للجماعة أصلاً، فرغم افتقادهم التأثير على المعسكر الآخر، فإنهم صدروا خطاب الكراهية ولهجة الاستعلاء باستمرار، في حين لم يتبرأ الإخوان منهم حتى الآن.
هناك مشكلة أخرى تتعلق بالإعلام المحافظ عموماً، وهي افتقاره للترفيه، ونقصد هنا بالترفيه، تلك المواد التي تبحث عنها أغلبية الناس، وليست تلك الخاصة بأبناء الجماعة والتي لا تدخل في نطاق اهتمامتهم، فمثلاً عندما يفتح المواطن العادي التليفزيون للبحث عن مسلسل أو فيلم سيتوجه إلى CBC أو "الحياة" أو "النهار" أو "صدى البلد"، ومع الوقت سينجرف إلى متابعة برامج التوك شو والسياسة، في حين أنه لن يذهب إلى "مكملين" أو "وطن" أو مثل هذه القنوات، لافتقادها ما يبحث عنه.
لا يعاني إعلام الإخوان في الجانب المادي، بقدر ما يعانونه من فقر في الإماكنيات البشرية والمواهب، فهو إعلام الصدفة، قام على أكتاف الهواة وأشخاص عملوا لأول مرة في مجال الإعلام والصحافة بعد الأزمة، يفتقدون للإدراك والفهم اللازم لعقلية المخاطب.
لم يفشل الإخوان فقط في استقطاب شرائح الشعب العادية، بل فشلوا في استمالة بقية أطياف المعارضة، ويعود هذا لسببين؛ الأول متعلق باعتقادهم في قدرتهم على العودة مرة أخرى إلى الساحة دون مساعدة بقية المعارضة، والثاني متعلق بالخطاب الإعلامي الهجومي الذي نفر العديد من الرموز المحسوبة على ثورة الـ 25 من يناير/كانون الثاني، في حين لم يستطيعوا استمالة إلا أشخاص محسوبين على التيار الإسلامي بشكل أو بآخر.
الشريحة الوحيدة التي استطاع الإخوان الوصول إليها فقط، هي أبناء الجماعة، بالإضافة إلى بعض الشرائح المتعاطفة من التيار الإسلامي، كما نجحوا أيضاً في تأجيج مشاعر الجمهور التابع لهم، تجاه كل الأطياف السياسية الأخرى والجماهير غير المؤلجة، سواء تلك التي أيدت الـ 30 من يونيو حتى الآن أو التي اعتذرت لاحقاً، بل قل إن شئت إنها استطاعت مضاعفة إحساس الكره تجاه الوطن الذي ظلمهم.
في النهاية، يستطيع الإخوان إصلاح الكثير من سياساتهم الإعلامية، في حين يتبقى جزء يصعب إصلاحه، متعلق بثقافة الجماعة نفسها وانعكاسها على وسائل الإعلام التابعة لها، الأمر الذي يصعب تغييره إلا بثورة على الكثير من الأفكار المغلوطة المترسخة في أذهان أعضائها.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.