بعد استعراض أهم المجالات التي يمكن أن يساعد فيها تحليل شبكات المنظمات بشكل فعال يجب لفت النظر إلى قضية هامة، وهي دور النظم القيمية في تشكيل البناء التنظيمي وشبكات العلاقات داخل وخارج المنظمات، فعلى الرغم من أن المنظمات في عصرنا الحالي تتخذ أشكالاً متقاربة في كثير من الأحيان، فإن النظم القيمية السائدة فيها تؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقات والشبكات الناشئة فيها.
وهذا ما يأخذنا إلى الاستعانة بأدوات علم النفس والاجتماع لمحاولة فهم هذه المسألة، وعلى الرغم من وجود العديد من الأدوات التحليلية فإننا وجدنا أن نظرية "الحركة الحيوية اللولبية" تمتلك مقدرة تفسيرية عالية تسعفنا بالكثير من أدوات الفهم.
فيما يلي سنستعرض جوهر هذه النظرية، ثم سنستخدمها في محاولة فهم ثقافة المنظمات في البلاد العربية، وبعد ذلك سنستعرض كيف يمكن الاستفادة من أداتي تحليل شبكات المنظمات ونظرية الحركة الحيوية اللولبية بشكل مشترك في فهم وإصلاح وبناء المنظمات في عصرنا المتشابك بحكمة للوصول إلى حالة أكبر من العافية.
في الأساس، وضع معالم هذه النظرية في سبعينات القرن الماضي عالم النفس الأميركي د. كلير جريفز، ثم قام بتطويرها بعد ذلك تلميذاه د. دون بيك ود. كريستوفر كوان، ثم سلكا طرقاً مختلفة في تطويرها بشكل منفصل وبالتعاون مع آخرين.
يمكن أن توصف هذه النظرية بأنها نظرية تقدم منظوراً للنظم الحيوية – النفسية – الاجتماعية وإطاراً لفهم نظم القيم المؤثرة في التطور الاجتماعي – الثقافي للإنسان وإطاراً لفهم القوى المتحركة الفاعلة في الحياة الشخصية والعلاقات الإنسانية على مستوى الأفراد والمنظمات والمجتمعات.
النظرية تهتم بتقديم تفسيرات لـ"كيف" يفكر الناس بدلاً من "بماذا" يفكرون، ولماذا يوجد اختلاف بين البشر في تعاملهم مع المشاكل المختلفة، ولماذا يتجاوب الناس مع الدوافع المختلفة، ولماذا وكيف تنشأ القيم وتنتشر، وما هي طبيعة التغيير؟
سأحاول في ما يلي أن أقدم شرحاً مختصراً للنظرية، آمل أن لا يكون مخلاً.
من الفرضيات الأساسية لهذه النظرية:
أن الطبيعة البشرية ليست ثابتة ولا محددة، بل تتغير بتغير ظروف الوجود وتقوم بتشكيل نظم قيمية حياتية جديدة مع بقاء النظم القديمة.
عندما يُفعّل نظام / مستوى جديد (يظهر أو يصعد أو يتراجع أو يختفي) تتغير نفسية الإنسان وقواعد حياته لتتكيف مع الظروف الجديدة.
نظم القيم المختلفة تظهر وتتنحى بتغير ظروف الحياة. ظروف الحياة تعني هنا تحديداً أربعة أشياء: الزمان التاريخي (حقبة تاريخية معينة، دورة تاريخية، جيل، مرحلة عمرية.. إلخ)، والمكان الجغرافي (الظروف المناخية، التنوع الطبيعي، الكثافة السكانية، الموارد الطبيعية.. إلخ)، والمشاكل الوجودية (أخطار تهدد توفر الماء والغذاء، قضايا تاريخية عالقة، أوبئة.. إلخ)، والظروف الاجتماعية (الموقع الطبقي، المستوى التعليمي، النظام السياسي، الوفرة الاقتصادية.. إلخ).
كل نظام قيم يظهر يمر بمراحل كالموجات، دخول ثم ذروة ثم خروج.
انتقال شخصية الإنسان الناضج من مستوى وجودي معين يرتكز على ظروف حياتية معينة إلى مستوى أكثر تركيباً يكون نتيجة للاستجابة والتفاعل مع التغيرات في إدراك الوجود في الواقع.
نظم القيم توجد في نفس الوقت في الفرد والمنظمة والمجتمع كخليط من طبقات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.