"السيسي أسوأ رئيس جمهورية".. هذه الجملة الحادة صدرت من أحد رجال الدين المسيحيين، في مظاهرة احتجاج أمام البيت الأبيض، نظمها الأقباط الذين يُنظر لهم بأنهم من أهم داعمي السيسي وحلفائه.
أيد الأقباط في مصر بقوة خطوات عبدالفتاح السيسي عندما كان وزيراً للدفاع وأطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي وراهنوا رهاناً كبيراً على قدرة السيسي على تحسين وضعهم خلال حُكمه.
ولكنهم الآن مع استمرار تعرضهم لاعتداءات طائفية، فإنهم يشعرون بالإحباط والخيانة تجاه سياسات السيسي نحوهم، ولكنهم لا يجدون له بديلاً.
رامي عزيز، كاتب مصري ومحلل لشؤون الشرق الأوسط، يعمل على درجة الماجستير في العلوم السياسية بجامعة روما، يرصد في مقال له في صحيفة حيروزاليم بوست الإسرائيلية الأحد 28 أغسطس/آب 2016، تطورات العلاقة بين الأقباط والسيسي، والتي وصلت لاشتراط بعض نشطائهم أن يكون أي بديل له من خارج المؤسسة العسكرية.
نص المقال
إنَّ العلاقة بين الأقباط وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علاقة ضرورية. بدءاً من 3 يوليو/تموز عام 2013، تبلورت هذه العلاقة عندما ظهر البابا تواضروس الثاني في الصف الأول، بينما ألقى السيسي خطاباً يعلن فيه الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
رأى الأقباط مرسي آنذاك تهديداً مباشراً على وجودهم، خاصةً بعد زيادة الحوادث الطائفية ضدهم خلال عام حُكم الإخوان المسلمين.
شملت هذه الحوادث الاعتداء على كاتدرائية سان مارك، المقعد البابوي، في العباسية في قلب القاهرة، خلال جنازة قبطية لأربعة أشخاص قُتِلوا في هجمات سابقة في إحدى ضواحي القاهرة.
راهن الأقباط رهاناً كبيراً على قدرة السيسي على تحسين وضعهم خلال حُكمه، آملين أن يتمكَّن من محو العقبات الكثيرة التي مهَّدت الطريق لاندلاع العنف الطائفي في ظل حُكم مرسي.
شملت مخاوفهم الأكثر إلحاحاً إنشاء الكنائس وترميمها والحفاظ عليها، والتهجير القسري، واختطاف القُصَّر، وإنهاء التمييز ضد الأقباط في حصولهم على حقوقهم المتعلِّقة بالعمل والترقيات في المناصب العامة والحكومية.
كان هناك أمل في إرساء السيسي مبادئ المواطنة في ظل حُكم القانون خلال فترة تولِّيه السُلطة.
كان هذا بالتأكيد هو ما دفع تواضروس الثاني عملياً لدعوة الأقباط لدعم السيسي في الداخل والخارج بكُل الطُرُق الممكنة.
التحول
ولكن مع كل يوم يمر، كان إيمانهم بالسيسي يتضاءل.
لقد أدركوا الآن أنَّه ليس الرجل الذي كانوا ينتظرونه في شوقٍ، وتبدو الأشياء التي وعد بتحقيقها مستبعَدة أكثر فأكثر.
لقد وقع عدد من الهجمات على الكنائس وبيوت الأقباط في عدة أقاليم مصرية من الإسكندرية شمالاً إلى الأقصر جنوباً على مدار الأشهر القليلة الماضية. ولكن محافظة المنيا، التي تبعد عن القاهرة جنوباً 250 كيلومتراً، تحمَّلت وطأة هذه الاعتداءات.
حُرِق عدد كبير من بيوت الأقباط نتيجة شائعات تقول إنَّها تحوَّلت إلى كنائس، في قرى كوم اللوفي وصفط الخرسا وطهنا الجبل وأبو يعقوب.
في تحول غير مسبوق في شكل هذه الهجمات، جُرِّدت سيدة قبطية عمرها 70 عاماً في قرية الكرم بالمنيا من ملابسها تماماً، وجُرَّت في شوارع القرية بعد حرق منزلها وسرقة ممتلكاتها، كانت هناك قبل تلك الحادثة شائعات حول وجود علاقة رومانسية بين ابنها وبين فتاة مسلمة، وهو ما نفته الفتاة نفياً قاطعاً.
في ضوء التجاهل المستمر لهذه المشاكل والضغط من أجل حلِّها خارج إطار القانون، اتَّجه الأقباط في الداخل والخارج نحو التصعيد العام في ردود الفعل على سياسات الدولة التمييزية.
على المستوى المحلي، بعدما رفض المتحدث البرلماني طلباً بمناقشة هذه الحوادث علناً، خرج عماد جاد، نائب مدير مركز الأهرام وعضو قبطي بالبرلمان وقال "يتعرَّض الأقباط لمخطط جهنمي يهدف إلى قهرهم وإذلالهم بإشراف أجهزة الدولة".
وأضاف في تصريحه المنشور على صفحته على فيسبوك، أنَّه وزملاءه فشلوا في مناقشة "الانتهاكات" ضد الأقباط، وقال إنَّه كان يبحث عن حلٍّ "بعيدٍ عن الرهان على مؤسسات الدولة التي تواصل مخطط التنكيل بالأقباط".
في هذه الأثناء، نظَّم الأقباط في الولايات المتحدة مظاهرة أمام البيت الأبيض في واشنطن؛ لتسليط الضوء على معاناة نظرائهم في مصر. وسجَّل القمص مرقص عزيز -راعي الكنيسة المُعلَّقة في القاهرة سابقاً- مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع مخاطباً السيسي "إنَّ ما حدث يكفي، لقد انتخبناك ودعمناك" مضيفاً أنَّ "السيسي أسوأ رئيس جمهورية وقد خدعنا، بعد أن وقفنا إلى جانبه".
ووسط البيانات المتعددة من مختلف الأطراف، وكرد فعل على التصعيد والتطورات المتلاحقة، تحدث السيسي بإيجاز في 21 يوليو/تموز 2016 خلال حفل تخرج الكلية الحربية، وقال "نحن 90 مليون شخص، إذا كان رد فعلنا غير عقلاني كلما وقع حادث أو أكثر، فلن يكون هذا في مصلحة البلد".
استجاب البابا تواضرس الثاني لهذه التصريحات عقب اجتماعه مع لجنة الشؤون الدينية في البرلمان في مقر إقامته في الكاتدرائية في الخامس والعشرين من يوليو/تموز 2016، وأكد على أن الكنيسة حتى الآن تسيطر على غضب الأقباط الذين يعيشون في مصر والخارج من النظام، ولكنها قد لا تصمد طويلاً في مواجهة "الهجمات المنهجية ضدهم".
وهذا هو السؤال الرئيسي الذي طرح نفسه وسط الحشد والاستقطاب بين الأقباط: هل الأقباط يرون بديلاً للسيسي؟ في الوقت الحالي، يبدو أن الجواب هو لا.
وبالرغم من شعور الأقباط بالإحباط والخيانة تجاه سياسات السيسي نحوهم، يعتقد خيري جرجس، أحد منظمي مظاهرات الأقباط أمام البيت الأبيض، أن الشخصية القادرة على كسب ثقة الأقباط لم تظهر حتى الآن، ويُضيف أن المرحلة القادمة بين الأقباط والسيسي ستشهد مزيداً من الشد والجذب، لأن السيسي سيحاول استعادة دعم الأقباط بكل الطرق المتاحة.
وهذا صحيح تماماً نظراً لأن السيسي يدرك أن شعبيته تآكلت بين الجماعات الأخرى التي كانت تدعمه من قبل، ولكن هناك حالة من عدم الثقة ستجعل هذه المهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة.
دعا جرجس قادة الكنيسة إلى الكف عن التدخل في السياسة، لأن هذا يسمح للنظام بإدخال الكنيسة في اللعبة السياسية، وهي لعبة ليس للكنيسة خبرة كبيرة فيها.
البديل
يعتقد شريف منصور، رئيس المنظمة القبطية في كندا، أن الثقة بين الأقباط والسيسي فُقدت منذ وقت طويل، وسيكون من الصعب أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.
وقال بشأن ما إذا كان الأقباط يرون أي بديل للسيسي "قد يكون هناك العديد من البدائل المتاحة، ولكن من المهم أن تكون هذه البدائل من خارج المؤسسة العسكرية، وإلا فلن يتحقق أي تغيير".
واصل منصور قائلاً إن البديل قد لا يكون قريباً ولكنه سيأتي لا محالة، لأن الأقباط ليسوا وحدهم من يشعرون بالاستياء.
انضمت العديد من الجماعات التي تؤمن بفكرة الدولة المدنية لدعم الأقباط، إذ يؤمنون جميعاً بأن شيئاً لم يتغير منذ أيام مبارك.
ويعتقد إسحاق إبراهيم من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن غضب الأقباط المتصاعد ضد الدولة ملحوظ للغاية، ومع ذلك لا يزال البعض يحتفي بالسيسي كمخلِّص من جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ذلك، قد يؤدي رفض الحكومة المستمر لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى تحفيز الأقباط على التنفيس عن غضبهم من السيسي بشكل شخصي.
أخيراً، بالرغم من أن الأقباط لم يختاروا السيسي بل فرضته عليهم الظروف، تماماً مثلما فرضته على مصر كلها، فالدعم الضخم الذي قدموه له كان ناتجاً عن خوفهم من أن مصر كانت تنحدر إلى حالة من عدم الاستقرار قد تشكل تهديداً خطيراً على وجودهم في مصر. ولكن من الواضح أن السيسي لم يفهم هذا. وفشل في تبديد مخاوفهم، وهو الآن على وشك أن يفقد جزءاً أساسياً من داعميه.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.