عزيزي عمران.. تحية طيبة وبعد

"عمران".. لا تظن أنني أكتب لك خطابي هذا وأحكي عن أمور إنسانية وخاصة بي؛ لأتودد إليك وأتقّرب منك حتى إذا أحببتني قدمت لك الأعذار بأنني بريء مما حدث لك أو أنني أخجل منك، لا بل لو كنت أراني أسأت إليك لاعتذرت ببساطة، دون أن أمكُر لأجد لك مدخلاً للاعتذار، لا يا عمران.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/26 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/26 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش

إنني إذ أكتب إليك هذا الخطاب، أجلس في بيتي أمام حاسوبي، تلعب ابنتي "تالا" التي قاربت العام ونصف العام حولي، تُخرّب الكثير من الأشياء التي أعمل على إنجازها، بالأمس سقطت من على الكرسي وخُدشت بعض الخدوش البسيطة في وجهها، فزِعت حين رأيتها كذلك، وظللت أحتضنها وأُطمئنها حتى اطمأنت وسكنت بين ذراعيّ.

هل تعلم؟ لقد حدّثتها عنك أيضاً، قلت لها: هناك طفل مثلك ربما لن يقرأ خطابي هذا، جراحه ليست كجراحك، وألمه ليس كألمك، ولم يستطِع أن يبكي كما بكيتِ، ولم يجد والده ليحتضنه كما وجدتِ، ولم يطمئن ويسكن كما سكنتِ، ليس هذا لأنه ولد سيئ، هو ليس سيئاً ليس لكونه طفلاً مثلك، بل لأننا احتكرنا السوء لأنفسنا فلم نبقِ له شيئاً منه ليناله.

"عمران".. لا تظن أنني أكتب لك خطابي هذا وأحكي عن أمور إنسانية وخاصة بي؛ لأتودد إليك وأتقّرب منك حتى إذا أحببتني قدمت لك الأعذار بأنني بريء مما حدث لك أو أنني أخجل منك، لا بل لو كنت أراني أسأت إليك لاعتذرت ببساطة، دون أن أمكُر لأجد لك مدخلاً للاعتذار، لا يا عمران.

لا يا عمران.. بل أنا كذلك، أحاول أن أمكُر لأجد لك مدخلاً للحديث معك حتى أعتذر لك عمّا تسببت فيه لك، في الحقيقة أنا مطأطئ رأسي خجلاً منك مثلما كنت أنت مطأطئ رأسك شفقة بي، حتى لا تلتقي أعيننا، فترى بي انكساراً وشعوراً بالخجل منك، فآثرت أنت أن تكفيني هذا كرماً منك بألا تنظر في عيني، واكتفيت فقط بمسح التراب والرماد المختلط بالدم، وكأنك عائد من حرب كنت فيها وحدك كبطل أسطوري يحارب الشر لينشر الخير والسلام في العالم، ولكن يأبى العالم أن يستجيب لرغبتك، فقد اعتاد ما به من شر وظلم وألِفه، فلا ترهق نفسك معه.

حينما كنت صغيراً مثلك، كنت أراني أيضاً بطلاً أسطورياً، سيحارب الشر والظلم وينشر الخير والسلام، ولكن عندما كبرت انشغلت برغيف الخبز، وأصبح هو المُحرّك الأساسي والدافع الذي أسعى وراءه ليلَ نهار، لا أعلم أي طريق اتبعته أوصلني إلى أن أرفع شعار "عضَّ قلبي ولا تعضّ رغيفي"، لو كنت أعلم لأخبرتك حتى لا تتبع هذا الطريق، ولكني أيضاً أخشى عليك أن تظل تتبع ما في قلبك من رغبة في محاربة الظلم والشر ونشر الخير والسلام، حتى إذا عُدت في المرة القادمة تمسح التراب المختلط بالدم عن وجهك تنظر حولك فلا ترى أحداً.

لن أطيل عليك يا عمران؛ لأنني أعلم أنك مُتعب من حروبك التي ما زلت تخوضها من أجل هذا العالم البائس، كما أنني منشغل أيضاً، فلديَّ حرب مثلك من أجل رغيف الخبز كما تعلم، كما تتخلل هذه الحرب أوقات بائسة نجلس فيها لنتحدث أنا ومن يحاربون معي من أجل الرغيف، فنزايد عليك كلما فرغنا من العمل قليلاً، مزايدات سياسية واجتماعية واقتصادية، بل وحتى دينية، نعم، فأحدهم استخدمك ليُدعّم قضيته في الإلحاد بأنه لو كان هناك إله ما تركك!.. تخيل!، أعلم أنك تبتسم ساخراً من كل هذه المزايدات، وتنظر إلينا مُشفقاً أكثر مما نُشفق نحن عليك، ومعك حق، فالأقوى هو المفترض به أن يُشفق على الضعيف، ونحن أضعف منك بالطبع.

عمران.. لا تقل إني أجاملك يا عزيزي، لا تكُن متواضعاً وتخجل هكذا، انظر إلى غايات حروبنا وغايات حروبك ستعلم أني أقول الحقيقة.

وختاماً، لست ماهراً في إنهاء الخطابات، ولكني أراهم يختتمون خطاباتهم بالسلام، ولا أعرف حقاً كيف أختم خطابي معك بالسلام، فالسلام الذي أعرفه ليس كالسلام الذي تعرفه، فسلامنا الذي نرجوه ونرضى به زائف، وسلامك الذي ترجوه وتحارب من أجله حقيقي.

ولكن، لك مني كل السلام الذي تعرفه أنت، لا الذي أعرفه أنا، وأتمنى أن تستطيع يوماً أن تنتصر لسلامك الحقيقي على سلامنا المزيَّف.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد