بدأ المقاتلون وعائلاتهم بالخروج من مدينة داريا المحاصرة منذ 2012 قرب دمشق، في إطار اتفاق مع الحكومة السورية يقضي بإخلاء المدينة، وفق ما أفادت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية عند مدخل داريا الشمالي.
وغالبية ركاب الحافلة الأولى هم من النساء والأطفال والمسنين، ورافقها سيارة أمنية وأخرى تابعة للهلال الأحمر السوري.
وأكد مصدر عسكري سوري في المكان أن الدفعة الأولى الجمعة 26 أغسطس/آب 2016 ستتضمن "300 مقاتل مع عائلاتهم".
وبعد حصار من قبل الجيش السوري دام نحو 4 سنوات، بدأ تنفيذ اتفاق يقضي بخروج آلاف المدنيين والمقاتلين من هذه المدينة التي لطالما كان لها رمزية خاصة لدى المعارضة السورية.
قلق لدى الأمم المتحدة
وعبرت الأمم المتحدة اليوم عن قلقها بشأن اتفاق إنهاء الحصار المفروض على مدينة داريا قائلة "إنه ينبغي عدم إجلاء المدنيين، إلا إذا كان ذلك آمناً تماماً".
وقال قيادي في المعارضة ووسائل إعلام رسمية، إن مقاتلي المعارضة والجيش السوري اتفقا أمس الخميس على إجلاء كل السكان والمقاتلين عن داريا لتنتهي بذلك واحدة من أطول المواجهات في الصراع المستمر منذ خمسة أعوام.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين في تصريحات لرويترز "نواصل المطالبة بالوصول إلى داريا بحرية وأمان وندعو جميع الأطراف لضمان أن يكون أي تحرك للمدنيين آمناً وطوعياً ويتماشى مع المبادئ والقوانين الإنسانية الدولية".
إخلاء داريا
وبالتزامن مع عملية إخلاء داريا، تتواصل الجهود الدبلوماسية في مسعى لاستئناف مفاوضات السلام بين الحكومة والمعارضة السوريتين بلقاء جمع الجمعة وزير الخارجية الأميركية جون كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف.
وتوصلت الحكومة السورية والفصائل المعارضة في داريا الخميس، وفق الإعلام الرسمي، إلى اتفاق يقضي بخروج 700 مقاتل إلى أدلب (شمال غرب)
و"4000 من الرجال والنساء مع عائلاتهم إلى مراكز إيواء" بدءاً من الجمعة من هذه المدينة، فضلاً عن تسليم المقاتلين لسلاحهم.
وقال ناشط في مدينة داريا، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث عبر الهاتف "هناك قهر كبير" بين السكان.
وأضاف "ذهبت الأمهات أمس إلى المقابر لتوديع شهدائهم، أنهم يبكون على داريا أكثر مما بكوا حين سقط الشهداء".
وعند مدخل داريا الشمالي قال مصدر عسكري سوري إن "عدد المقاتلين الذين سيخرجون اليوم مع عائلاتهم هو 300″، مشيراً إلى أن كل مقاتل "سيخرج ببندقية واحدة فقط".
رمزية داريا
وأكد مجلس داريا المحلي أن "الأسر المدنية ستتوجه إلى بلدة حرجلة، ومن هناك يتوزعون على المناطق التي يرغبون بالتوجه إليها".
وأظهرت صورة نشرها المجلس المحلي لمدينة داريا على صفحته على فيسبوك أحد الشبان وهو يقبل اسم داريا على أحد جدران المدينة.
ولداريا رمزية خاصة لدى المعارضة السورية، فهي كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الاسد في آذار/مارس 2011، كما أنها خارجة عن سلطة النظام منذ اربع سنوات بعدما تحولت الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، وهي من أولى البلدات التي فرض عليها حصار.
غير صالحة للسكن
وقال أحد مقاتلي الفصائل المعارضة في المدينة، إن داريا تعيش اليوم "أصعب اللحظات، الجميع يبكي، الطفل يودع مدرسته، والأم تودع ابنها الشهيد عند قبره".
يجمع سكان داريا، وفق قوله، "أغراضهم المتواضعة المتبقية، لتبقى معهم ذكرى لأربع سنوات من الحصار والجوع والقصف، وتبقى ذكرى لمجتمع دولي خذلهم دون أي ذنب".
وستحتاج عملية إخلاء داريا إلى "أربعة أيام قبل أن يدخل الجيش السوري" إليها، وفق مصدر سوري ميداني.
ويعيش نحو ثمانية آلاف شخص في داريا الواقعة على بعد نحو عشرة كيلومترات جنوب غرب العاصمة. وهي أيضاً مجاورة لمطار المزة العسكري، حيث سجن المزة الشهير ومركز المخابرات الجوية.
وأوضح المقاتل المعارض في المدينة، أن قرار التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية على إخلاء المدينة "بعد صمود دام أربع سنوات يعود إلى الوضع الإنساني المتدهور فيها والقصف المتواصل عليها، فكان لا بد من حماية المدنيين".
وأضاف "المدينة لم تعد صالحة للسكن، فقد باتت مدمرة تماماً" إذ كانت داريا تتعرض للقصف بعشرات البراميل المتفجرة يومياً، فضلاً عن القصف المدفعي والغارات الجوية ما أسفر عن دمار هائل فيها.
وكانت داريا قبل الحرب بها حوالى 80 ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض 90% حيث واجه السكان طوال سنوات الحصار نقصاً حاداً في الموارد. ودخلت في شهر حزيران/يونيو أول قافلة مساعدات الى داريا منذ حصارها في العام 2012.
لقاء جنيف
بعيداً عما يجري على الأرض في سوريا، وفي جنيف، بدأ كيري ولافروف اجتماعاً في فندق على ضفاف بحيرة ليمان لبحث استئناف المفاوضات السورية.
وانضم إليهما لاحقاً الموفد الأممي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، الذي صرح الخميس بأن هذا اللقاء سيكون "مهماً" وقد يكون له تأثير على استراتيجيته لاستئناف المفاوضات.
واخفقت منذ كانون الثاني/يناير، جولات عدة من المفاوضات السورية غير مباشرة برعاية الأمم المتحدة لتسوية النزاع.
ويأتي اجتماع الجمعة فيما يزداد النزاع السوري تعقيداً مع التدخل العسكري التركي في شمال البلاد ضد جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والمقاتلين الكرد.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً بدأ في آذار/مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد النظام، تطورت لاحقاً إلى نزاع متشعب الأطراف، أسفر عن مقتل أكثر من 290 ألف شخص وتسبب بدمار هائل في البنى التحتية وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.