الرّمادُ يغطي وجهه، وبقعةٌ من الدماء طغت على ملامحه، هو ذلك الطفل الذي ما لبث أن أخرجته طواقم الإسعاف من تحت ركام منزله المدمّر، مسح دماءَه، وأبكانا نحن.
لم يبكِ، لم يذرف دمعة واحدة، لم يعترض أو يستنجد.. خرج تاركاً مشاعره تحت الركام، مسحَ وجنته بكفّه، ورأى الدماء تغطيها.
نظر إلى اللون الأحمر القاتم، تجاهله، واستأنف ردة فعله التي لا تتضمن أي ردّ، ولا فعل.
هو عمران، الطفل الذي جاء يوقظ ضمائرنا بعد ما دخلت سباتها العميق منذ آخر موجة إعلامية تضامنية مع الطفل إيلان، الذي سرقت منه الهجرة حياته، ورمت به الأمواج على شاطئ أوروبيّ؛ ليصبح لاحقاً منبهاً للضمائر، عدا عن كونه سبقاً صحفياً لا يفوّت.
عمران، أو الإيلان الجديد، تعتريه علامات الذهول والصدمة، كيف لا؟! وقد كاد أن يأخذه الموت مثل رفاقه في نفس الحي، لكن مشيئة الله حالت دون ذلك.
كيف لا؟! وقد نجا من برميل متفجر استهدف طفولته، وأخذها، ثم تركه جسداً بقلب ينبض.
كيف لا يُذهلُ عمران، وقد أتاح له القدر أن يستكمل حياته بعد ما ذاق الموت.. أن يستكمل حياته، لكن هذه المرة، بندبات على وجنتيه البريئتين، وآثار آلام في وجدانه، وذكريات لا ندري إن كانت ستمحى أبداً؟!
عمران ليس عمران الوحيد، لكن الصورة شاءت أن نراه هو من بين آلاف الأطفال الذين تسلب منهم طفولتهم يومياً، حجم تقصيرنا بلغ عنان السماء، وندري ذلك، لكن ما باليد حيلة! وللوهلة القصيرة، يبدو أننا "تمسحنا" أمام مشاهد الدماء والألم.
لا أدري هل كانت ريمي بندلي ستغني "أعطونا الطفولة" منذ عشرين عاماً، لو كانت تعلم أن طفلاً بريئاً مثل عمران لن يستطيع أحد منا أن يسترجع طفولته من تحت الركام؟!
هل كانت ستغني لو علمت أن الكون بأسره سيعجز أمام صمت طفل واحد؟!
* تمسَحنا: كلمة شاميّة تعنى أننا أصبحنا كالتماسيح، لا نشعر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.