تشاءموا أثابكم الله

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/19 الساعة 01:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/19 الساعة 01:39 بتوقيت غرينتش

تعد تلك الدقائق التي أقضيها وأنا في سريري قبل أن يوافي النوم جفوني هي أسوأ لحظات يومي بلا منازع، تلك اللحظات لم تعُد كما كانت، لم أعد أتذكر الأمور السيئة أو المحزنة التي مرت بيومي أو بحياتي، بل أصبحت أفكر في ما لم يأتِ بعد، أصبحت أفكر فيما تخبئه لي الأيام، أفكر في ما نحن مقدمون عليه.. نعم أصبح مجرد التفكير في المستقبل يرهقني، صار الحديث عن المستقبل داخلي كفيلاً بفض مضجعي وطرد النوم من جفوني.
قبل أن تنظر إلى مقالي ذلك بنظرة تشاؤمية لنناقش الأمور بعقلانية ولتعلم سيدي أني لست أحد مدربي التنمية البشرية المتفائلين بصورة مفرطة.

أولاً إذا كنت في مرحلة تعليمية دون الجامعية أو كنت غير متابع للحالة الاجتماعية والاقتصادية المصرية، فلا داعي لقراءة ذلك المقال، ولتستمع بأحلامك الوردية عن المستقبل المشرق والحياة الرائعة، فلا أكذبك قولاً فقد عايشت وأنا في الثامنة عشرة من عمري أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني وارتفعت معنوياتي وآمالي حتى طموحاتي لمرحلة لم ولن ترتفع لها ثانياً، وإذا حاولت أن ترفع لها مرة أخرى فأقسم لأوأدنها في مهدها، ولكن لتقرأ من باب العلم بالشيء.

أما إن كنت من الشباب ممن يعشقون الروايات العاطفية، ويقبلون على مشاهدة أفلام من قبيل (هيبتا)، وما هو على شاكلته ويعشقون الأغاني العاطفية، فلتعلم أن مقالي صادم بالنسبة لك.

أما إن كنت شاباً قد تجاوز تلك المراحل أو تابع نشرة الأخبار على أي قناة غير مصرية واستمع إلى واقعنا المعاصر، سواء في مصر أو في الوطن العربي، فلا بد أنك قد عانيت ولو لمرة واحدة من الأرق وتذكرت مستقبلك، وأرجو الله أنك لم تمعن التفكير فيه حفاظاً على صحتك النفسية.
بإقدامك على تلك الخطوة -التفكير في المستقبل- التي قد تبدو بديهية ومنطقية وأساسية في حياة أي إنسان يجب ألا تنسى أنك إنسان مصري، وأن هاتين الصفتين (إنسان مصري) إذا اجتمعتا كونتا مركباً له خواص تغلب عليه الصفة المصرية أكثر من الصفة الإنسانية، فيصبح أمام نفسه إنساناً، ولكنه يعيش في الواقع مصرياً، فهي تعويذة ترتبط بك منذ نفخ فيك الله من روحه لا تنفك عنك إلا بالهجرة أو الموت، ولا تتحول إلى خير إلا إذا أضفت لها إكسيراً فريداً من نوعه، وهو إكسير الامتياز، أي أن تكون من النخبة المختارة في مصر، أي أن تكون منتمياً لأحد الأجهزة السيادية أو أن تكون من المحسوبين على النظام ممن يتنفسون تسبيحاً وحمداً للنظام..

إن قمنا بعملية حسابية بسيطة ولأتكلم عن نفسي كشاب جامعي يتطلع إلى إنهاء دراسته التي لم يستفِد منها شيئاً، ولن يستفيد منها سوى شهادة ورقية لا تصلح للبيع وكارنيه نقابي تستخدمه في تغيير محتوى الخانة الوظيفية في بطاقتك الشخصية، وها أنت الآن تعد ورقك من استمارة (10 جند) إلى (الفيش والتشبيه) وما إلى آخره؛ لتتقدم لخدمة الوطن بالعمل في أحد المشاريع الربحية الاقتصادية للقوات المسلحة، ولا أعرف أين خدمة الوطن في ذلك.

بإنهائك فترة تجنيدك فأنت الآن أقرب للثلاثين منك للعشرين، وها أنت الآن شاب رائع بلا وظيفة وبلا خبرة وبلا راتب، لا تنسَ شهادتك العظيمة التي استغرقت سنوات للحصول عليها والتي لا تصلح إلا أن تنظر إليها، وتشعرك ببعض النشوة أنك مميز لحصولك عليها، وأن آخرين لم ينالوا ذلك الحظ العظيم، وأنها سوف تفيدك في المستقبل بكل تأكيد.. قد يكون الكذب على النفس أمراً جيداً في بعض الأوقات.

وبتوفيق الله وقدره وبعد بحث مضنٍ والاستعانة بالمعارف والأصدقاء استطعت الحصول على وظيفة تكفي لأن تسد بها مصروفك الشخصي، وتترفع عن طلب النقود من والدك، الذي ترى في عينيه كلما أعطاك نقوداً نظرة شفقة إن كان رحيماً بحالك أو نظرة احتقار إن لم يكن.

وحتى تكتمل الصورة لا بد أن تكرر خطأ من سبقك، وتقرر الارتباط حتى لا تفوتك التجربة المريرة، وبتفكيرك بذلك الأمر العظيم اعلم أنك سوف تضع على عاتقك كم التزامات وعقبات ومسؤوليات لا يعلم مداها إلا الله.. هنيئاً لك معاناتك.

وإياك أن تقنع نفسك أنك سوف تذهب لإحدى دول المنطقة الثرية، تلك الدول التي تملك أموالاً مثل الأرز؛ لأنها الآن تعيش السبع العجاف، ولم تترك القمح في سنبلة عندما كانت السبع "بقرات سمان"، فقد رحلت عراق صدام، وانهارت ليبيا القذافي، وها هي دول الخليج تعاني لأول مرة من عجز موازنة غير حروب سوريا واليمن وتكلفتها، وانهيار أسعار النفط.

وإذا تمخض فكرك لينجب فكرة الهجرة إلى دولة غربية فلتعلم أنك لم تأتِ بجديد، واعلم أن الغرب بأكمله قد اكتنز بما يملك من لاجئين من سوريا والعراق وغيرهم، وأنه غير مرحب بالمزيد، كما أن نبرة العداء للإسلام والمسلمين على أشدها تكاد تكون قريبة لما كانت عليه في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

فهل نحن محاصرون في مصر.. أم أننا محاصرون في أفكارنا نحن؟

لكل منا طموحاته وأفكاره وظروفه، ولكن من لم يكن التفكير في المستقبل مرهقاً له فأنا لا أغبطه بل أحسده وبشدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد