مر أسبوع تقريباً على خطاب الإنجاز والتشكيك للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكان مختصر ما جاء فيه أن هناك إنجازات على الأرض ستحقق دفعة للاقتصاد وللشعب، وعلى المواطن أن لا يستمع إلى تلك الإشاعات والتخاريف التي يروج لها أهل الشر، و"تحيا مصر".
وتنقلب الآية بعد أسبوع، وإذا بخطاب جديد يلغي كل ما جاء في القديم، وهو يشرح حجم الدين الخارجي وحجم الدين الداخلي للدولة، والعجز في الإيرادات والمصروفات، والآثار التي ترتبت على زياده المرتبات وإلقاء اللوم على الأزمة الاقتصادية على الحروب التي خاضتها مصر ما بين أعوام 56 و73، وفي النهاية أيضاً "تحيا مصر".
تقريباً أنت تسبب الآن للشعب والحكومة والإعلام حالة من الارتباك والتخبط، فعلى مدار الأسبوع الماضي كانت كل وسائل الإعلام تمجد في الإنجازات، التي تدر بالمليارات على الدولة، ولكن الشعب ناكر للجميل، وأصبح حديث وسائل الإعلام في الفترة الماضية، هو عدم الاستماع إلى من يشكك في إنجازات الدولة فهو (على طول) شخص ممول، كما قال الإعلامي أحمد موسى، ولكن دعك من هؤلاء فهم معروفون ومكشوفون، فهناك من الشعب المصري غير المدرك لواقع الأمر، ويأخذ كلام رئيس الدولة محل ثقة، وهؤلاء الغلابة ولا لوم عليهم، ولكن السؤال الآن: من نحن في رأي السيسي؟ هل نحن دولة إنجازات أم أنها مجرد "اشتغالات"؟
وإذا كنت تطالب بعدم تصديق الإشاعات فما تقوله يؤكد الإشاعات، كما تطلق عليها، أُم أن هناك تفسيراً آخر لحالة التدهور الاقتصادي؟
أما الحديث عن الآثار المترتبة على حروب كان آخرها منذ خمسين عاماً، فهي بالفعل أكثر ما أضحكني، وهي أيضاً حجة لإخفاء فشل متعاقب على إدارة مصر، إلى هذه الدرجة تستخفون بعقول الشعب؟
وبإيجاز سريع يوجد الكثير من الدول التي كانت في مواقف أسوأ من مصر، ولكنها الآن تعد من أقوى الدول اقتصادياً على مستوى العالم، فهناك دولة مثل اليابان، دمرتها قنابل نووية في عام 45، أي قبل عشر سنوات من حروبنا التي خضناها، والتي لا تقارن بحجم الدمار والأمراض هناك، ولكن انظر إلى اليابان اليوم، تحتل الآن المركز الثالث على مستوى العالم، اليابان التي اتخذ منها مهاتير محمد في ماليزيا نموذجاً وقدوة لدولة ناجحة في بداية حكمه عام 81، وسار على نفس الدرب، وكلل مجهوده بالنجاح، وآخر تجربة هي التي قام بها حزب العدالة والتنمية، بقياده أردوغان في تركيا منذ 2002 وحتى الآن، والتي بدورها أدت إلى ارتفاع دخل المواطن التركي من 3500 دولار سنوياً إلى ما يقرب من 11000 دولار في عام 2011، وتحسن كامل في كل أوضاع الدولة صناعياً وتجارياً وعسكرياً وصحياً.
تجارب تلك الدول وغيرها هناك آلاف الكتب تتحدث عنها، ومن يعرفها أو قرأها يشعر بالإعجاب مما صنعوه ويشعر بالعار لما وصلنا إليه، وبالعودة لما وصلنا إليه نجدك ترمي الكرة على زيادة المرتبات وآثارها على زيادة في عجز الموازنة، نعم أنت صحيح، ولكن أي مرتبات تقصد؟ بالتأكيد لا تقصد رواتب أصحاب المقام الرفيع كما أطلق عليهم عبدالعال، رئيس مجلس الشعب، للأسف ولا رواتب الجيش ولا حتى أمناء الشرطة، وبالطبع الأزمة الاقتصادية لا علاقة لها بصفقات الأسلحة والمعدات التي لا تمتلكها الدول المجاورة، عدا إسرائيل الصديقة، فتسليح الجيش بكل تلك المليارات والمواطن يصرخ كل يوم من سوء الحياة في مصر لهو أمر استفزازي، وأعتقد أن الدول التي اهتمت بالاقتصاد في البداية، نجحت فيما بعد أن تصنع كل أسلحتها ولا تشتريها أو تستوردها من الخارج.
وفي النهاية إذا كانت هذه هي الحقيقة، فلما هاجم وزير الخارجية مجلة الإيكونوميست لنشرها مقالة تقول نفس الكلام عن الاقتصاد المصري؟
وبعد هذه الهجمة التي شنتها كل وسائل الإعلام على الإيكونوميست والادعاء بأنها مضللة، هل سيهاجم السيسي لنشره نفس أخبار التدهور الاقتصادي للبلد أم أنها تختلف؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.