عندما نتكلم عن الحق وعن العدل، فإننا لا نعرف الحياد، ولا نخالف مبادئنا وأخلاقنا، حتى وإن كان الحق مع أعدائنا فلا نقر إلا بما جعله الله صفة من صفاته، واسماً من أسمائه، فالله سبحانه هو العدل الحق، وإلا فلا قيمة لنا في تلك الحياة إن اتبعنا الظالمين، ووقفنا في طرق الظلم الممتلئة بالظلمات يوم القيامة.
في الذكرى الثالثة لفض اعتصام رابعة، هذا اليوم لمشهد قد عاينه البعض من قلب الحدث ورآه البعض من خلال القنوات الناقلة، بين تهويل وتقليل وتبرير، كانت النتيجة مقتل وإصابة الآلاف.
إنها مشاهد لا يمكن لإنسان يحمل بين ثنايا قلبه اليقظان بعضاً من الرحمة بأخيه الإنسان، فضلاً عن أن هذا الإنسان قد يكون جاره في منطقته أو محل سكنه، أو فرداً من عائلته، أو زميله في مقر عمله، أو زميله بمكان دراسته، أو أستاذاً له بالجامعة، فما أبشع أن ترى تلك الجثث المتراصة على الأرض، وتلك الأكفان التي تجمعت بمسجد الإيمان، لا يمكن نسيان دموع الطفل وصراخه أمام جسد أمه يناديها "اصحِي يا ماما"، والأم قد صعدت روحها إلى الملك العدل الحق؛ ليحكم بين العباد يوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
مشاهد كثيرة تتجمع بذاكرتي وذاكرة ملايين البشر ممن عاينوها أو رأوها، وعندما سألنا عن السبب وراء قيام الحكومة المصرية بجيشها وقوات شرطتها بهذا الفض، أجابوا بأنه اعتصام مسلح إرهابي، مَن منا لم يذهب إلى ميدان رابعة خلال شهر رمضان أو رأى تلك اليافطة التي كُتب عليها صبيحة عيد الفطر "كل عام وأنتم بخير"، والبالونات تتطاير في السماء، ورشاشات المياه ترطب من حرارة الجو، والأطفال تلعب، وتتعالى من المنصة أصوات القرآن والأذكار والدعوات لفئة استشعرت الظلم وسلب الحق منها استضعافاً وغصباً، وجدت تلك الفئة بهذا الاعتصام وسيلة في التعبير عن الرفض، تلك الوسيلة ذاتها التي قام وزير الدفاع (وقتها) بالاستجابة لمطلب مَن قاموا بها في ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية، معارضين لبعض سياسات الدكتور محمد مرسي، فنحن من نطرح السؤال ونقول لماذا لم يتم التعامل مع تلك الجموع المعارضة بهذه الطريقة من الجيش والشرطة حماية للبلاد من الانقسامات والصراعات الداخلية.
في الذكرى الثالثة ما زلنا نتساءل ولا إجابة.. لم يبقَ لنا سوى أطفال يتامى وزوجات ثكلى وبيوت تئن من الحزن لفقدان صديق أو حبيب أو أخ أو أب.. ما زال المئات من أساتذة الجامعة والشباب والطلبة والفتيات داخل المعتقلات، والتخوين دائر بين جموع الشعب لإرهاب من يعارض، وأخونة من ينطق بالحق، والله بالحق أعلم.
ويبقى السؤال الأكبر: دم رابعة في رقبة مَن؟
أليس من حق الإنسان أن يكون لدمائه قيمة ولحياته ثمن، أليس من حق المظلوم أن يثأر لظلمه، أليس من حق الإنسان الذي استخرج شهادة وفاة أخيه بأن سبب الوفاة انتحار؛ ليستلم جثته أن يقتص من الجاني؟! إذن فمَن الجاني؟!
قامت في مصر ثورة شعبية قوامها الشباب، في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2011، وعلى أثرها تغيرت الأسماء والظروف ونتج عنها انتخابات رئاسية شارك فيها المصريون بأعداد كبيرة، واختاروا رئيساً كأي بلد ديمقراطي يحترم القانون، وشهدت مصر ميلاد عهد جديد تحت رئاسة مدنية منتخبة لم تلبث عاماً واحداً تراكمت فيه الأزمات الحقيقية والمفتعلة وحشدت قوى المعارضة والإعلام طاقاتها بكل السبل لإفشال تلك التجربة حتى وصلنا بالنهاية إلى مشهد بين معارض ومؤيد، وهنا جئنا إلى لعبة الأعداد الخادعة تحت كاميرات الطائرات، فما الأمر الطبيعي والمنطقي الذي من المفترض انتهاجه من القيادة العسكرية حيال هذا المشهد السياسي؟! هل بالوقوف بجانب فئة على حساب أخرى أم بالاحتكام إلى نفس الوسيلة الديمقراطية التي جاءت برئيس لمصر عن طريق الانتخاب الحر واحترام الدستور والقانون؟!
أحياناً يكون القانون تبعاً لأهواء المتحكم بالسلاح؛ ليجعل من هذا القانون صنماً من العجوة يعبده إذا شاء، ويأكله متى جاع، ويبقى قانون الإله في هذا الكون يرينا عجائب قدرته لنعلم يقيناً دماء "رابعة" في رقبة مَن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.