مصر ليست تركيا.. ولكنها رسالة للجنرالات

في العام 2013، قدمت مصر للعالم نموذجاً مثالياً لاصطناع الثورات العسكرية والالتفاف على إرادة الشعوب، فكان الرد التركي في عام 2016 بتجربة لا مثيل لها في إجهاض الانقلابات العسكرية وإعلاء كلمة الشعوب فوق الإدارة العسكرية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/14 الساعة 08:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/14 الساعة 08:04 بتوقيت غرينتش

في العام 2013، قدمت مصر للعالم نموذجاً مثالياً لاصطناع الثورات العسكرية والالتفاف على إرادة الشعوب، فكان الرد التركي في عام 2016 بتجربة لا مثيل لها في إجهاض الانقلابات العسكرية وإعلاء كلمة الشعوب فوق الإدارة العسكرية.

لكن المسافات الديمقراطية بين القاهرة وأنقرة ما زالت بعيدة للغاية ويصعب الربط بينهما على المدى القصير، فالقاهرة في عصرها الجمهوري لم تشهد تجارب ديمقراطية حقيقية، أما أنقرة فقد خاضت الكثير من التجارب الديمقراطية القصيرة التي قطعها الجيش في مرات قليلة، لكن البذرة نمت نمواً ملحوظاً في عهد حزب العدالة والتنمية حتى شكلت قاعدة شعبية وإعلامية؛ بل ودخلت الفكرة الديمقراطية في مكنون العقلية العسكرية حتى لاقت إيماناً وتصديقاً من قبل الكثير من العسكريين الأتراك.

الفروق بين مصر وتركيا لا تنحصر فقط على التجربة الديمقراطية وحدها، وإنما تمتد إلى مجالات التعليم والصحة والمستوى الاجتماعي والوعي السياسي والمهنية الإعلامية؛ هذه العوامل وغيرها من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تجعل المقارنة بين الدولتين لا وجه لها على الإطلاق، فنسبة الأمية في تركيا على السبيل المثال تبلغ نحو 7%، في حين ترتفع النسبة في مصر إلى 29% وفق الإحصائيات الرسمية، أما درجة المهنية الإعلامية، فالإعلام التركي حر إلى حد كبير في توجهاته وسياساته، على عكس الإعلام المصري المدار من قِبل الدولة فيتحدث بلسانها ليخاطب أغلبية لا تزال تستمتع إلى الإعلام الرسمي بإنصات وإجلال، وكأننا في زمن الفتوحات الناصرية العنترية الوهمية.

إلى جانب ذلك، هناك فوراق كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بين الشعبين المصري والتركي، فمصر على مدار عقود كثيرة تعاني من انحدار المستوى الاجتماعي لغالبية الطبقات الاجتماعية، في حين ينعم المواطن التركي بحياة رغدة منذ أكثر من عقد من الزمان على يد حزب العدالة والتنمية بعد فترات اقتصادية سيئة عاشها طوال الحكم العسكري.

وعلى عكس الأتراك، لا تزال مصر تدور في فلك العسكريين طيلة ستة عقود ماضية، وإن شهدت في بعض الأحيان انفراجات سياسية في بعض الحريات لمدد قصيرة لا تذكر، فالجيش، سواء كان متخفياً وراء عباءة الحكم الجمهوري أو يمسك بزمام الأمور بشكل ظاهر، سيظل يمثل الطرف الرئيس في تحديد منظومة الحكم في الدولة المصرية على المدى القريب؛ لذلك فإن أي تغيير في نظام الحكم سيأتي أولاً عبر اقتناع غالبية قادة الجيش بضرورة ترك السياسة للسياسيين وتفرغ الجيش لمهامه الرئيسية في السلم والحرب، الأكثر من ذلك أن أي تغيير سياسي بالبلاد لا يكون الجيش طرفاً فيه سيؤدي إلى كارثة وفوضى ستؤدي إلى وضع أسوأ من الوضع الحالي، ببساطة لأنه لا يوجد بديل يحل محل الجيش في إدارة أي تغيير سياسي بالبلاد، فليست هناك قوى سياسية أو شعبية أو أحزاب قوية تستطيع الإشراف على وإدارة التغيير السياسي، ولكن كيف سيحدث هذا التغيير؟

بالتأكيد لن يأتي هذا التغيير بين عشية وضحاها، لكنه في الأساس سيعتمد على ثلاثة محاور أساسية، أولها ازدياد الوعي الشعبي بشأن ضرورة خروج الجيش من الحياة السياسية والاقتصادية وما يمثله ذلك من ضغوط على المؤسسة العسكرية، وثانيها هو اقتناع غالبية العسكريين أنفسهم بفشلهم التام في إدارة الدولة، أما المحور الثالث فيتمثل في وصول البلاد إلى وضع اقتصادي واجتماعي لا يستطيع الشعب معه السكوت عما يحدث؛ لذلك، فلا بد للجيش أن يدرك أنه من الصعب استنساخ وتكرار العصور الماضية في الحاضر والمستقبل، وأن التغيير في وقت السعة أفضل بكثير من التغيير وقت الاضطرار.

في النهاية، سيظل هناك تأثير نفسي للحدث التركي على النظام المصري، فالرسائل التي قدمتها تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري كثيرة وفريدة في ذات الوقت، أبرز هذه الرسائل أن الانقلابات العسكرية يمكن إجهاضها بسهولة، بل وفي ست ساعات وأن الحناجر الشعبية الناطقة بالحرية والديمقراطية تستطيع أن تهزم الدبابات المملوءة بالذخيرة والأسلحة المحشوة بالغدر والخيانة.

أما الرسالة الثانية فتقول إن الحصانة للقانون وحده وليس للبزة العسكرية أو الشرطية، فالمشاهدة المهينة لجنرالات الجيش التركي بالتأكيد ستجد أثرها في نفوس العسكريين العرب كافة على مدار فترات طويلة، ورسالة تركيا للعالم تقول إنه قد آن الأوان أن تملك الشعوب الإسلامية سيادتها وقرارها بعد قرابة قرنين من الزمان من الاستعمار المباشر وغير المباشر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد