مؤشرات فوز “العدالة والتنمية” في 7 أكتوبر

في هذا السياق المفعم بالكثير من التناقضات، فالاستعدادات للمحطة الانتخابية المقبلة مليئة بالتوجسات والمخاوف من عودة المشروع الإصلاحي في نسخته المغربية إلى المربع الأول، والردة على خطة بنكيران "الإصلاح في ظل الاستقرار"، وتكرار تجربة اليوسفي التي ذبحت على يد التكنوقراط جطو.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/10 الساعة 00:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/10 الساعة 00:29 بتوقيت غرينتش

تعد الانتخابات النيابية أو البرلمانية في الدول التي تحتكم لسلطة صناديق الاقتراع "بارومتر" محدداً لمنسوب الديمقراطية في أنظمتها، وكذا جزء من عملية التداول السياسي التي تتنافس من خلاله الأحزاب السياسية على السلطة، لكن في بلدنا الذي لا يزال يترنح على سكة الانتقال الديمقراطي الذي تتغنى به أغلب الأحزاب باستثناء المحسوبة على خط الراديكالية والعدمية التي لا تؤمن به أصلاً، وعلى نقيض آخر جماعة ياسين تبدو خارج نقاش التداول الحزبي على السلطة على اعتبار المفاهيم المؤطرة لها سياسياً والبعيدة عن لغة التداول والانتقال الديمقراطي.

فإذا كانت الديمقراطية من الناحية النظرية، تتأسس أولاً قيم المشاركة المكثفة للمواطنين في العملية السياسية ككل، وبالأخص المشاركة في الانتخابات تصويتاً ومقاطعة وامتناعاً، ثانياً قيم احترام صناديق الاقتراع وفق شروط الشفافية والنزاهة التي تشمل كل مراحل الانتخابات، ثالثاً حياد السلطة والإدارة بأخذ المسافة البعيدة عن كل الأطراف المتنافسة على السلطة، رابعاً تنزيل الديمقراطية لمقتضيات الدستور من خلال تجديد المؤسسات الدستورية ودعم مبادرات المجتمع المدني الذي يعد شريكاً أساسياً في البلدان التي تحترم مبادئ الديمقراطية.

فإنه في بلد كالمغرب، الذي مر من تجربة فريدة من حيث التعامل الذكي لملك البلاد مع الحراك الشعبي إبان ما بات يعرف بالربيع الديمقراطي، فهو مقبل على موعد مع ثاني استحقاق انتخابي برلماني تشهده البلاد بعد دستور 2011، عنوانه 7 أكتوبر/تشرين الأول ومضمونه متذبذب بين الاستمرار في الإصلاح أو القطيعة معه "أو ما بات يعرف في أدبيات العمل السياسي المغربي الخروج عن المنهجية الديمقراطية"، هذا المضمون مرتبط بإرادة الدولة التي تارة تتخوف من زحف الإسلاميين وتارة تخاف من تهديد الاستقرار الذي كان فيه للإسلاميين دور كبير في الحراك الشعبي في سنة 2011 عندما فضل حزب العدالة والتنمية عدم الخروج إلى الشارع مكتفياً بدعم روح الحراك، إذن فالدولة وجهازه الأعلى المتمثل في القصر الملكي لا يزال يعيش على تناقضات الماضي وتوجسات الحاضر، وبالرغم من أن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش كان واضحاً من خلال بعث رسائل لكل الفاعلين مفادها ضرورة الاحتكام لصناديق الاقتراع بعيداً عن السلوكات المشينة التي تضر بنزاهة العملية الانتخابية.

في هذا السياق المفعم بالكثير من التناقضات، فالاستعدادات للمحطة الانتخابية المقبلة مليئة بالتوجسات والمخاوف من عودة المشروع الإصلاحي في نسخته المغربية إلى المربع الأول، والردة على خطة بنكيران "الإصلاح في ظل الاستقرار"، وتكرار تجربة اليوسفي التي ذبحت على يد التكنوقراط جطو.

لكن لحدود الساعة تشير كل المؤشرات إلى أن البيجيدي قادر على كسب رهان 7 أكتوبر، أول هذه المؤشرات أكدته نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية لرابع شتنبر، وهي معطيات تدل على صدق نوايا الأطراف الفاعلة في مسلسل الإصلاح بالمغرب، إذ بقيت وزارة الداخلية شبه محايدة، عكس ما توقع العديد من المراقبين، مما أفسح المجال أمام مختلف الفرقاء السياسيين ليقيس كل واحد منسوب شعبيته، ويضع حصيلته في ميزان التقويم من قبل المواطن المغربي، وهو الشيء الذي أعطى تفوقاً لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة.

ثاني المؤشرات، بان من خلال الحرب غير الشريفة التي تخوضها وزارة الداخلية بمعيّة بعض الأطراف الحكومية بالخصوص وزير المالية بوسعيد المحسوب على حزب التجمع الوطني للأحرار، على حزب بنكيران في عدة واجهات أولها بالقوانين الانتخابية؛ إذ فرض حصاد على كل الأحزاب بعض التعديلات في المادة 5 من القانون التنظيمي لمجلس النواب المتعلقة باللائحة الوطنية، ومن خلال كذلك حملات التضييق على شبيبة حزب المصباح في تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، ناهيك عن بلاغ الفضيحة بين حصاد وبوسعيد بخصوص فضيحة خدام الدولة التي تورط كبار المسؤولين فيها واستغلوا نفوذهم لشراء بقع بأثمنة بخسة، دون نسيان المعارك المؤسساتية التي خاضها نواب العدالة والتنمية، خاصة على المستوى التشريعي المرتبط بالقوانين الانتخابية، والتي انتصرت فيها وزارة الداخلية انتصاراً بائناً.

ثالث المؤشرات هو نقل المعارك المؤسساتية إلى الرأي العام، حيث صار الكل يعلم كيف تستعمل وزارة الداخلية اللوائح الانتخابية للتحكم وتوجيه النتائج وضبطها، باعتماد أسلوب التقطيع الانتخابي لصالح أحزاب، والشطب من القوائم ضد أخرى، وتحريك أعوان السلطة لخدمة لوبيات محلية، هذا وليس انتهاء بالتصرف عند الضرورة في النتائج.

رابع المؤشرات، غياب بدائل سياسية لدى فئة عريضة من الشعب، فبالنسبة لعموم الناس يظل حزب بنكيران الأقل ضرراً ويبررون ذلك بالقول "على الأقل هؤلاء لا يسرقون ولا يكذبون"، مع ربط الأمر بالاستقرار الأمني والسياسي رغم قساوة القرارات الحكومية خصوصاً المتعلقة بإصلاح المقاصة وإصلاح التقاعد الذي غامرت من خلالهم الحكومة بشعبيتها.

خامس المؤشرات ضعف الأحزاب المنافسة وعدم قدرتها على مجاراة السرعة التي يمشي بها حزب المصباح، الأخير الذي استطاع تأهيل أطره "الإدارة المحلية والجهوية والوطنية"، التي أسهمت في التواصل الجيد مع عموم الشعب من خلال تنظيم قافلة المصباح التي تزور كل المدن، مع تأكيد الكاريزما السياسية لزعيم هذا الحزب عبد الإله بنكيران الذي استطاع تقريب كل ما يتعلق بالدولة ومصالحها وإصلاحاتها إلى جمهور العامة من الشعب.

وأخيراً مؤشر مرتبط بعدم قدرة الحزب المنافس "الأصالة والمعاصرة" على إسقاط البيجيدي في المدن الكبرى، وفشله في بعض القرى التي تعد معقلاً له، هذا المؤشر مرتبط كذلك باستقطاب البام لبعض أعضاء البيجيدي الذي طردوا لعدم انضباطهم لقرارات حزبهم أو لفشلهم في الترشح باسم الحزب في الانتخابية الماضية، مما زاد من شعبية البيجيدي وضيق على البام.

وباستحضار كل هذه المؤشرات، وبعيداً عن الاصطفافات الهوياتية المريضة، التحدي ليس أن يفوز البيجيدي بل في مواجهة أي خروج عن المنهجية الديمقراطية، هنا إما أن تكون حزباً حقيقياً ومواطناً حقيقياً أو لا تكون، كما خلدها ناجي العلي مقاوم الريشة الفلسطينية "التحدي".

ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد