"إذا كان مصير بشار الأسد هو ما فرّق بينهما"، فهل أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، النظر في خلافاتهما حول الشأن السوري خلال لقائهما الثلاثاء 9 أغسطس/آب 2016 في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.
يهتم الزعيمان بإضفاء طابع إيجابي على لقائهما أمام الرأي العام ليثبتا للغرب أن العلاقات المتوترة لم تبقهما في معزل، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء 9 أغسطس/آب 2016.
وبينما أصر أردوغان لفترة طويلة أن الرئيس السوري بشار الأسد سيتوجب عليه التخلي عن السلطة قبل طرح أي اتفاق سلام للنقاش، فإن النجاح الذي حققته روسيا في أرض المعركة، مدعومةً من إيران، ربما يغير المعادلة بأكملها.
زيارة أردوغان إلى روسيا، هي الأولى خارج البلاد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في منتصف يوليو/تموز 2016، ولذا تكتسب أهمية رمزية كبيرة لأن علاقات تركيا بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشهد تدهوراً كبيراً
حلفاء غير أوفياء
هناك شعور عميق في تركيا بأن حلفاءها الغربيين فشلوا في اختبار التضامن معها، بالنظر إلى الخطر الذي هدد البلاد خلال محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز.
ويشعر المسئولون الأتراك بالإحباط بسبب تركيز العواصم الغربية على التطهير الذي قام به أردوغان ضد الآلاف من ضباط الجيش وموظفي الخدمة المدنية والصحفيين، باعتبارها علامة مُقلقة على انجرافه نحو السلطوية، حسب تعبير الصحيفة.
وانطلقت في تركيا حملة مناهضة لأميركا بعد عدم إظهار واشنطن أي إشارة على نيتها لتسليم فتح الله غولن، رجل الدين التركي الذي اتهمه أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، من ملجئه في جبال بوكونو بولاية بنسلفانيا.
إهانات متبادلة
ويُعد اللقاء في مدينة سانت بطرسبرغ تطوراً مذهلاً في بعض النواحي، بالنظر إلى أن موسكو وأنقرة كانتا تتبادلان الإهانات الفظيعة حتى نهاية شهر مايو/أيار 2016، حتى إن شبكة التلفاز الحكومية الروسية هاجمت أردوغان واصفةً إياه "بالمخادع" و"المستهتر"، بينما اتهم الزعيم التركي روسيا بالتورط في "ادعاءاتٍ حقيرة".
إلا أن الكرملين لا يفوّت أبداً الفرصة لاستغلال التصدعات الواقعة في حلف الناتو، فقد عبّر مراراً عن دعمه لأردوغان منذ وقوع محاولة الانقلاب.
وكانت علاقات روسيا الخاصة مع الغرب قد شهدت توتراً كبيراً بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 وتدخلها في شرق أوكرانيا الذي أعقب ذلك، ولم تشهد تلك العلاقات تحسناً منذ ذلك الوقت.
ولهذا فإن كلا الرئيسين يريدان استغلال أوضاعهما لإظهار أنه مازال لديهما أصدقاء آخرون.
"يريد كلا الزعيمان أن يظهرا لشركائهما الآخرين أنهما ليسا في عزلة، فلديهما خياراتٍ أخرى، ولديهما حلفاء غير غربيين ليرتبطا بهم"، كما يقول فلاديمير فرولوف، كاتب صحفي متخصص بالشئون الخارجية للمجلة الإلكترونية الروسية (Slon.ru).
وأضاف: "سنرى الكثير من الرمزية، والإيماءات، لكن ما سيتم التوصل إليه بشكل محدد سيكون قليل نسبياً، وسيكون هناك الكثير للقيام به من أجل سوريا".
تهديد لعلاقات قوية
وشهدت العلاقات التركية الروسية توتراً مفاجئاً في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد أن أطلقت تركيا النار على طائرة روسية مقاتلة انتهكت مجالها الجوي قليلاً عبر الحدود السورية مما أسقط الطائرة، ما أدى لقتل الطيّار عبر النيران الأرضية. وطالب حينها بوتين بالاعتذار، الأمر الذي رفضه أردوغان.
وشرع الطرفان في قطع العلاقات الاقتصادية المتينة التي تصل لحوالي 30 مليار دولار سنوياً في مجال التجارة، الرقم الذي تعهد الرئيسان من قبل بزيادته ليصل إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020.
وفرضت روسيا عقوبات اقتصادية، لتحرم تركيا من عقود إنشاءات مربحة. وتوقفت رحلات الطيران الخاصة، كما تم إصدار تعليمات لملايين من الروس الذين كانوا يقضون إجازتهم في تركيا بالبقاء بمنازلهم.
في نفس الوقت، تم تجميد اثنين من مشاريع الطاقة الهامة التي سعت إليهما روسيا – وهما محطة طاقة نووية خططت روسيا لبنائها وخط أنابيب غاز ضخم كان يعتبر مساراً بديلاً لتلك التي أوقفتها أوروبا.
محاولة الانقلاب سرّعت من الأمور، فعقب فشلها أعرب بوتين سريعاً عن تضامنه مع أردوغان، وهو ما عبر عنه المسؤولون الأتراك "لقد تلقينا دعماً غير مشروط من روسيا، على عكس الدول الأخرى"، وفقاً لما قاله وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مقابلة تليفزيونية أجريت معه مؤخراً على قناة Haberturk.
سوريا هي المشكلة والحل
وبعيداً عن رمزية اللقاء، فإن كلا الرجلين لديه اهتماماً أصيلاً في تهدئة حدة التوترات حيال الشأن السوري، الذي طالب فيه أردوغان بإزالة الأسد عن الحكم في حين خصصت روسيا قدرات عسكرية معتبرة لمساندته في الحكم.
ويقول فرولوف: "إن الموضوعات الجوهرية التي يمكن للطرفين تناولها ستكون حول المسألة السورية، من أجل التوصل إلى حل سياسي يضمن مصالح الطرفين".
هناك خطوات يمكن للطرفين تبنّيها للمساعدة على تهدئة الوضع.
يود أردوغان أن يرى دعماً روسياً أقل للكرد وتقليل القتال على الحدود، السبب الذي أودى باللاجئين إلى تركيا. وقد تراجعت موسكو بالفعل عن إصرارها على وجود تمثيل كردي منفصل في محادثات السلام.
كما تود روسيا بدورها أن ترى تركيا وهي تفرض تحكُماً أكبر على حدودها للحد من تدفق المتطوعين والأسلحة للمجموعات التي تعتبرها روسيا مصدر تهديد.
"نريد التطلع إلى المستقبل بمزيد من الأمل"، هكذا تحدث عن الزيارة إبراهيم كالين، المتحدث باسم أردوغان، في مقابلة أجرتها معه مؤخراً وكالة الأنباء الحكومية الروسية (Tass). "وبالتعاون مع روسيا، نود تسهيل القيام بانتقال سياسي في سوريا في أقرب وقت ممكن".
مشاكل تركيا
وتواجه تركيا مشكلات مع تدفق الملايين من اللاجئين واعتداءات من قِبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والقوة المتزايدة للميليشيات الكردية في شمال سوريا التي تربطها علاقات مع الميليشيات الكردية في تركيا والتي تقاتل ضد الجيش التركي.
دفعت كل تلك العوامل بأنقرة لتُعيد تقييم موقفها من حتمية تنازل الأسد عن السُلطة من أجل السلام في سوريا، وفقاً لما قاله أحد المحللين.
ويقول سولي أوزيل، الكاتب الصحفي التركي والأستاذ بجامعة قادر هاس في إسطنبول: "إذا بدأت تركيا في التحول عن موقفها السابق من سوريا، ستختفي مشكلة كبيرة".
ولكن لا يزال المتحدث باسم أردوغان يلتزم بالموقف التركي الرسمي حيال الأسد، قائلاً: "من المستحيل الحديث عن انتقال سياسي في سوريا طالما بقي بشار الأسد في الحكم".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.