بدعوة من رئيس جمهوريتنا، القائد العام لقواتنا المسلحة، الطيب رجب طيب أردوغان، اجتمعنا بالملايين الأحد الماضي، في إسطنبول، لا تفرقنا سياسة ولا دين ولا عرق، يجمعنا حب الأمة والوطن والإنسان، اجتمعنا لنصون ديمقراطيتنا ونحفظ دماء شهداء ليلة 15 يوليو/تموز الماضي، ولنضع "فاصلة" مميزة، هي ليست ككل الفواصل في هذه الحياة.
إنها "فاصلة" عملاقة في مسيرة طيبة نهجها العدالة وطريقها التنمية، تستمد قوتها من مسيرتنا التي تمتد لعدة مئات من السنين مضت، "فاصلة" من جهة أسعدت أهل الحق والإيمان وزادتهم يقيناً بصوابية طريقهم، ومن جهة أخرى أغاظت أهل الباطل والكفر وزادت قلوبهم سواداً وحقداً.
لقد اجتمعنا لنضع هذه "الفاصلة" تحت راية العلم التركي فقط، دون رفع راية أي حزب سياسي، بدأنا بالنشيد الوطني وآيات بينات من القرآن الكريم تبين قدر ومكانة الشهداء، وتدعو للصمود والعمل والإيمان المطلق أن الله سيتم نوره ولو كره مَن كره، ومن ثم دعاء جامع للأمة والوطن رفعه رئيس الشؤون الدينية، ومن خلف رُددت ملايين "آمين" في إسطنبول وفي قلوب المؤمنين حول العالم.
استكملنا رسم هذه "الفاصلة" بكلمة عظيمة هي الأولى من نوعها لرجل عسكري أمام حشد مدني، أكد فيها رئيس أركان الجيش التركي، خلوصي آكار، الذي أفشل محاولة شرذمة الانقلابيين مساء 15 يوليو الماضي، أن الجيش في مرحلة جديدة ستنحصر مهامه في حماية الوطن من التهديد الخارجي، وأن أشد أنواع العقاب تنتظر شرذمة الخونة، الذين لا يمثلون الجيش الذي يحمل اسم النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
حضور القائد آكار كان له نكهة مميزة عند الملايين المحتشدة، فقاطعوه مراراً موجهين له التحية والسلام تقديراً على وفائه للوطن وعدم انصياعه للخونة في الداخل والخبثاء في الخارج، فبادر هو أيضاً بإلقاء التحية العسكرية لذاك الشعب الذي سطر أروع ملاحم البطولة في تلك الليلة.
مراحل الرسم التاريخي لهذه "الفاصلة"، استكملت مع كلمات مسؤولة من زعيمي الحزبين المعارضين الرئيسيين في تركيا، كانت هي سبباً أساسياً في ارتفاع نسبة غيظ من كانوا يعولون على فرقة الشعب التركي.
وما زاد هذه النسبة أكثر فأكثر كلمة رئيس الحزب الحاكم، رئيس الحكومة، التي أشاد فيها بحزبَي المعارضة وكل المنتسبين لهما وبمواقفهما الصريحة والصارمة ضد الانقلابيين وتنظيم غولن الإرهابي… لقد أجمعت تركيا على هذا الوصف لهذا التنظيم الذي يعمل لحسابات أعداء تركيا بغطاء الدين والدروشة والزهد.
أما كلمة رئيس البرلمان، الذي كان أحد جنود المقاومة ضد شرذمة الانقلابيين، ولم يستسلم هو ونواب الأمة لقصف الطائرات مقر البرلمان في أنقرة، فكانت أيضاً تؤكد انتهاج مسيرة أمة كاملة تدين بدين الإسلام، وتعتز بعظمائها كلهم كصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح.
وخُتم رسم "الفاصلة" مع صاحب الدعوة، قائد المسيرة، الزعيم الأقوى في تركيا، مع أردوغان الذي لم يعرفه العالم الصادق إلا طيباً، خُتم بكلماته التي أكدت الاستمرار بما نحن عليه دون تراجع أو خوف، أكدت أننا أمة واحدة مهما مزقتنا الحدود الجغرافية.
كلمات بدأها الطيب على وقع الموسيقى العثمانية، في دلالة جديدة على أننا ما نحن إلا أحفاد أولئك العظماء الذين حكموا بالعدل والإحسان والإيمان، فنالوا ما نالوه من عز وشرف وعظمة… أجدادنا هم، نفخر بهم ونعمل لإحياء سيرهم من جديد.
وختم الزعيم خطابه، بعد أن شكر الملايين حول العالم ممن وقفوا مع تركيا ودعوا لها في تلك الليلة، بالقول إن مليونية إسطنبول التاريخية ما هي إلا "فاصلة" في مسيرة 22 ليلة من صمود الشعب التركي في ساحات 81 ولاية، على أن تكون "النقطة" أي خاتمة هذه الليالي، يوم غد الأربعاء في 10 أغسطس/آب الجاري، مع الليلة رقم 25.
هذه "النقطة" ما هي في الحقيقة إلا استكمال لـ"فاصلة" الأمس، سنختم فيها الصفحة الأخيرة من كتاب الانقلابات العسكرية التركية والخيانة العظمى، سنختم فيها كتاباً لا لنجلس بعد ذلك دون عمل، بل ليبدأ العمل الحقيقي الأكثر صرامة وإصراراً على تحقيق أهداف الأمة التي تتوق لزمن العز والنصر والقوة.
"نقطة" تنهي ذاك الكتاب وما فيه من صفحات سوداء، لنبدأ بعون الله تعالى وبنية تحقيق العدالة وتعزيز التنمية، بقيادة الرجل الطيب، بكتابة ليس مجرد كتاب جديد، بل بكتابة معلقات جميلة في التقدم والتطور والازدهار، خاصة أننا نمتلك كل ما يؤهلنا لذلك.
لن نتراجع عن إصرارنا على كتابة هذه المعلقات التي ستعيد للأمة ما فقدته قبل حوالي 100 عام… أليس عام 2023 بقريب؟
لقد وضعنا "الفاصلة" بالأمس، وسنضع "النقطة" بعد أيام معدودة، لننطلق بعد ذلك بكتابة معلقات العز، فالمجد كل المجد لمن سيشارك بهذه الكتابة، والعار كل العار لمن سيحاول عرقلتها وتشويهها.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.