في مساحات محدودة داخل فناء منزله، الواقع شرقي مدينة غزة، يحاول الفتى عدي عبدالرحمن، العثور على كائنات "بوكيمون" الافتراضية، عبر كاميرا هاتفه الذكي.
غير أن عبدالرحمن (17 عاماً) يفشل في اصطياد تلك الشخصيات، وتزداد خيبته أكثر كلما خرج للبحث عنها في الشوارع والساحات العامة؛ إذ تفقد لعبة "بوكيمون غو" الشهيرة عنصر التفاعل لتعذر استقبال الإنترنت.
وانتشرت لعبة "بوكيمون غو" بشكل كبير، خصوصاً بين أوساط المراهقين حول العالم، عقب طرحها أوائل يوليو/تموز المنصرم، لدرجة جعلت البعض حالياً يبحث عن شخصيات "البوكيمون" فى بعض الأماكن الغريبة، حيث تعتمد اللعبة على نظام تحديد المواقع "جي بي إس" داخلها.
ويعمل الفلسطينيون في الضفة الغربية والقطاع حتى اليوم ضمن ترددات تشغيل الإنترنت من الجيل الثاني المسمى (2G)، وهو ما يجعل الاتصال بالشبكة بطيئاً، في وقت أعلنت فيه شركات اتصالات خليوية إسرائيلية تشغيل ترددات الجيل الرابع (4G) في شبكاتها.
وتمنع الحكومة الإسرائيلية شركتي الاتصالات الخليوية الوحيدتيْن العاملتين في فلسطين ("جوال" و"الوطنية") من الحصول على حق تشغيل ترددات الجيلين الثالث والرابع منذ سنوات لأسباب غير معروفة، كما تقول وزارة الاتصالات الفلسطينية.
ويبدو الأمر "تعيساً"، كما يصف عبدالرحمن، ويعمل على الحد من متعة اللعبة، بل ويُفقدها بهجتها ومضمونها.
ويتابع: "لعبة بوكيمون غو بدها (تحتاج) إنترنت شغال على طول، اللعبة كتير حلوة، لكن يا خسارة صعب نلعبها".
الشاب رائد مهنا (21 عاماً) يعاني من المشكلة ذاتها؛ إذ لم تمض أيام على قيامه بتحميل لعبة "بوكيمون غو" على هاتفه الذكي، حتى أزالها.
ويقول مهنا: "هذه اللعبة ليست لنا؛ فبدون إنترنت متنقل في الشوارع والساحات لا قيمة لها أبداً. البحث عن البيكمونات يتم في كل مكان".
وتتيح تقنية الجيل الثالث "3G"، استخدام البرامج على الهاتف المتنقل، دون الحاجة إلى خدمة الإنترنت اللاسلكي "wireless"، كالمتصفحات، وبرامج المحادثات المرئية والمسموعة والمكتوبة، من أي مكان، شريطة وجود ترددات للشبكة التي تقدم هذه الميزة.
وقال وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في حكومة الوفاق الفلسطينية، علام موسى، في تصريحات سابقة: "إنه لا مبررات منطقية وراء منع إسرائيل للفلسطينيين من استخدام ترددات الجيلين الثالث والرابع".
وأضاف: "الجانب الإسرائيلي يبرر منع استخدام ترددات الجيل الثالث لأسباب أمنية، وأحياناً كعقاب سياسي، وأحياناً أخرى لا يقدمون أي سبب وراء هذا المنع".
وتزود شركات خاصة المشتركين بخدمة الإنترنت اللاسلكي داخل المنازل والشركات عبر مبالغ مالية تتفاوت حسب جودة الخدمة.
وتلقى لعبة "بوكيمون غو" رواجاً في غزة، واهتماماً من قبل كثير من الفتية والشبان ومحبي الألعاب، إلا أنها تصطدم بالواقع الذي تفرضه إسرائيل.
ومنذ صدورها الشهر الماضي، شكلت لعبة "بوكيمون غو" المخصصة للهواتف الذكية والمطورة من شركة "نانتيكس" الأميركية ظاهرة على المستوى العالمي.
ويمتزج في اللعبة الشهيرة، العالم الافتراضي بالواقع بفضل استخدام خاصية تحديد المواقع الجغرافية "جي بي إس"، والكاميرات الموجودة في الهواتف الذكية.
وتتيح اللعبة التقاط ومبارزة وتدريب، وتبديل بوكيمونات افتراضية تظهر في أماكن حقيقية ضمن قواعد اللعبة.
عقبة أخرى تواجه مستخدمي اللعبة في قطاع غزة، وهي صعوبة وخطر التحرك في الأماكن المفتوحة والزراعية لقربها من الحدود مع إسرائيل.
الفلسطيني سعيد قديح يقطن جنوبي قطاع غزة، أراد أن يصطاد "بيكاتشو" (أشهر شخصيات بوكيمون) بعد أن ظهر له في إحدى مراحل اللعبة، لكنه امتنع من التقدم لخطوات إلى الأمام خوفاً من نيران الرصاص الإسرائيلي.
ويضيف قديح: "لشدة شغفي باللعبة اشتريت باقة توفر لي خدمة الإنترنت على هاتفي المحمول، لكن للأسف لا أستطيع التحرك لمسافات بعيدة، خوفاً من الرصاص الإسرائيلي".
وتحظر القوات الإسرائيلية على سكان القطاع دخول المنطقة المحاذية للشريط الحدودي لمسافة 300 متر، وتطلق عليها اسم "المنطقة العازلة"، وتطلق النار أو تعتقل كل من يتواجد فيها.
الأمر ذاته تتكرر مع الشاب أنور عبيد، الذي يقطن في منطقة حدودية شرقي قطاع غزة، ويقول: "هذه الألعاب ليست لنا، تحتاج إلى مساحات شاسعة، وإلى مناطق جغرافية مفتوحة".
ويستدرك ساخراً: "البيكمونات اعتقلتها إسرائيل لأنها اقتربت من الحدود".
وتتيح شركتا الاتصالات الفلسطينيتان لمشتركيهما شراء باقات لاستخدام الإنترنت عبر الهواتف الذكية في الساحات والأماكن العامة، ضمن سرعات محدودة للغاية وبأسعار باهظة لا تتناسب مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة.