ملاحظة: هذه محاولة تحليل سياسي للواقع قد لا تكون صحيحة لكنها ليست تعبيراً عن أي توجه سياسي.
(نحن في الجيش التركي تحت إمرة السيد رئيس الجمهورية والشعب التركي – خلوصي أكار رئيس أركان الجيش التركي في كلمته أمام حشد الديمقراطية والشهداء).
صفحة تطوى من تاريخ الجمهورية التركية لتفسح المجال لصفحة جديدة، وفصل جديد في تاريخ الأمة التركية لا يبدأ من صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة، بل من فشل انقلاب الخامس عشر من يوليو/تموز.
منذ تولي أردوغان لرئاسة الوزراء في مارس/آذار 2003 أو بالأحرى منذ تولي سلفه عبدالله غول هذا المنصب في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 وقواعد اللعبة السياسية في تركيا لم تتغير بشكل جوهري. وصول حزب ذي خلفية إسلامية للحكم في تركيا لم يعنِ أبداً أن تركيا لم تعد علمانية كما لم يعنِ كذلك زحزحة الجيش عن دور الراعي الأوحد لهذه العلمانية.
أراد منفذو الانقلاب القضاء على التغييرات البسيطة في قواعد اللعبة فلما فشلوا وجدوا أنفسهم خارج اللعبة كلها.
– إلحاق قيادات القوات البرّية والبحريّة والجوّية بوزارة الدفاع، بعد أن كانت تتبع رئاسة هيئة الأركان.
– تخويل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، الحصول على معلومات تتعلق مباشرة بقيادة القوات المسلحة.
– صلاحية الرئيس ورئيس الوزراء في توجيه أوامر مباشرة لقادة القوات، وضرورة تنفيذ القادة للأوامر مباشرة دون الحصول على موافقة من أي سلطة أخرى.
– إغلاق الأكاديميات الحربية والثانويات العسكرية ومدارس إعداد ضباط الصف.
– تأسيس "جامعة الدفاع الوطني" تابعة لوزارة الدفاع وتتكون من معاهد لتخريج ضباط أركان، إضافة إلى أكاديميات حربية وبحرية ومدارس إعداد ضباط الصف.
– اختيار رئيس الجامعة من رئيس الجمهورية، من بين 3 مرشحين يقترحهم وزير الدفاع، ويوافق عليهم رئيس الوزراء.
– نقل تبعية المستشفيات العسكرية لوزارة الصحة.
ليس الأمر إذن مجرد إعفاء أو حتى محاكمة قيادات تورطت في الانقلاب، الأكثر أهمية إذن هو إحداث تغيير جذري في قواعد اللعبة خلاصته: إزاحة الجيش عن لعب دور راعي العلمانية وحامي الديمقراطية.
(في الخامس عشر من يوليو جنود يطلقون النار على متظاهرين وطائرات إف 16 تقصف البرلمان ومواقع مدنية أخرى).
استغل أردوغان فرصة تاريخية ارتمت بين أحضانه، ربما دقائق معدودة فصلت بين نجاح الانقلاب في القضاء على مغامرة حزب العدالة والتنمية والحكم في الحكم وبدء تأسيس الجمهورية التركية الثانية حين استقل أردوغان طائرته الهليكوبتر مغادراً منتجع مرمريس قبيل وصول قوات الانقلاب إليه.
ما الذي تغير في الخامس عشر من يوليو؟
زخم سياسي ربما لم تشهده تركيا من قبل وحد الحكومة والمعارضة والقومي والكردي وذا الخلفية الإسلامية انعكس في صورة زخم شعبي، يبدو الجميع متفقاً على أن السياسي مهما كانت نقائصه أفضل من العسكري.
لن ينسى الجميع بسهولة مشهد الجنود يقتلون الناس في الشوارع والدبابات تدهس بعضهم وطائرات إف 16 تقصف البرلمان، يقول المنطق إن هذه المشاهد تجعل أي دور للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية لن يولد قبل خمسين عاماً.
التغييرات في تركيبة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت على استحياء قبل الخامس عشر من يوليو تحولت إلى تغييرات هيكلية بعده حتى باتت تعيد صياغة العلاقة بين الجيش والأجهزة الأمنية من جهة والسلطة التنفيذية والحياة السياسية بصفة عامة من جهة أخرى.
إن نجح أردوغان في السير في طريق تخطي توابع المحاولة الانقلابية -وهو طريق لو تعلمون ما زال طويلاً- سيكون هذا تأسيساً للجمهورية التركية الثانية.
ستظل تركيا علمانية، حزب العدالة والتنمية أصلاً يؤكد أنه حزب علماني، لكن الجمهورية الجديدة ستتميز بصفتين أساسيتين:
الأولى: أن علمانيتها ستكون علمانية متصالحة مع الإسلام إن صح التعبير على عكس علمانية الجمهورية السابقة التي تجد مشكلة كبيرة حتى مع لبس الطربوش.
الثانية: أن دور الجيش فيها سينحسر عن السياسة كثيراً.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.