بنينا المساجد في متاجر مهجورة، وكنّا نسير لولاية أخرى للحصول على لحم حلال إلا أن كل ذلك لم يرهقنا أو يؤرّقنا كمسلمين أميركيين مثلما يؤرقنا اليوم التفكير في دخول دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية البيت الأبيض وكيفية تربية أبنائنا في ذلك الزمن؟.
هذا ما يرويه وجاهات علي الكاتب ومدير الإبداع في مختبرات "Affinis " لريادة الأعمال الاجتماعية والابتكار، في مقالته المنشورة في نيويورك تايمز الأميركية وهذا نصها:
نص المقال
استيقظت في الثالثة صباحاً، لأتفقد ابنتي الوليدة نُسَيبة، وأشم رائحة بشرتها الزكية، وأمسح رأسها الناعم.
كأي أب له أطفال صغار، أفكر في المستقبل: ماذا ستكون أولى كلمات ابنتي؟ هل ستحب الطعام الآسيوي الحريف؟ أم سأضطر إلى أن أطلب لها طعاماً عادياً؟ هل سيسمح لابنتي المسلمة أن تترك معسكرات الاحتجاز التي سيقيمها ترامب إذا ما بلغت العاشرة من العمر؟ هل ستكون مؤهلة لمسابقات الجمال في عهد ترامب؟.
كثيراً ما أتفكر في المستقبل المرعب حين أرى المرشح الجمهوري يتحدث. إنه ينصح بالتدقيق الشديد مع المسلمين، ويؤكد على ضرورة وجود قاعدة بيانات خاصة بالمسلمين. لقد تهجم على خضر وغزالة خان، والدي الجندي الأميركي المسلم الحائز على وسام النجمة الذهبية. لقد تسببت كلماته في إثارة التعصب الأعمى ضد المسلمين: فقد أظهر استطلاع رأي أجري في يونيو أن 50 % من الناس يدعمون اقتراحه لمنع المسلمين من دخول البلاد.
هذه أميركا التي نربي فيها أبناءنا المسلمين. قالت صديقة زوجتي، خديجة عبد الله، أنها رأت مقطع فيديو يسأل فيه ولد مسلم إذا ما كان سيطرد من البلد حالما يفوز دونالد ترامب بالرئاسة، وأضافت أنها شعرت بالأسى لأن أبناءنا سيعيشون في خوف.
لم أكن أشعر بالخوف في شبابي، في كليرمونت كاليفورنيا، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. مثل والدي خان، هاجر والداي من باكستان إلى الولايات المتحدة. لم يكن والداي يحتفظان بنسخة من الدستور. كان الإسلام حقيقة حية بالنسبة لنا، ينسجم مع كل ذكريات طفولتنا ببساطة.
أنا الآن موظف ثلاثيني، مثل والديّ حين أنجباني. كان جيلهما مصنوعاً من الفولاذ والزبد. لقد أنشأوا المساجد في المتاجر المهجورة، وكانوا يضطرون للسير لولاية أخرى ليشتروا اللحم الحلال.
لقد شاركوا في تأسيس المنظمات الإسلامية الأميركية، وكانوا يعملون بدوام كامل، ويربون أولادهم، ويعلموننا القرآن، ورغم ذلك، كانوا يجدون وقتاً ليصنعوا البرياني لعائلة مكونة من 12 فرداً تعيش في شقة بها حجرتان فقط.
أما أنا، فلن أفعل كل ذلك. فأنا لا أملك وقتاً حتى لمشاهدة برامج التسلية. ولكني أرغب في تعليم أبنائي التقاليد الثقافية التي نشأت عليها.
في مناقشاتي القريبة مع الأصدقاء والآباء المسلمين الأميركيين، وجدت أن معظهم يتفق معي في الرأي: سيواجه أبناؤنا تحدياً لم نواجهه نحن، التعصب ضد المسلمين، وفي نفس الوقت، يناقش هؤلاء الآباء كيفية تربية مسلم ملتزم بدينه هنا.
تقول هينا خان مختار، أم لثلاثة أبناء من باي إريا، إن الطريقة الوحيدة هي أن نتحول إلى "مسلمين خارقين". فهي ترى أن المسلم العادي لا يستطيع العيش في أميركا، فعلى المسلم الأميركي أن يكون متميزاً، وقادراً على أن يقنع أبناءه بتفوق ما يحمله من مبادئ، ليتمكن من مواجهة النزعة الفردية والإلحاد والفلسفة المادية والتطرف.
من سوء حظ أبنائي أنني مجرد شخص عادي. ففي رمضان، كنت أفطر على تمرة وبعض الأطعمة الجاهزة. كنت أصلي المغرب بمفردي في حجرة الجلوس. زوجتي، طبيبة تعمل بدوام كامل، وأم ممتازة، وهي حامل بطفلنا الثاني، كانت تجتهد لتكون معي، لكن مسئولياتها ترهقها بشدة.
كنت أشعر بالذنب حيال ابني، الذي قارب على الثانية من العمر. كنت أود لو أنني استطعت أن أشعره بنفس مشاعري في طفولتي أثناء شهر رمضان، حين كنا نجتمع في المطبخ، مع أمي وجدتي وأبناء عمومتي، لتحضير الأطعمة الشهية لوجبة الإفطار. كان والدي إمامنا في الصلاة. في العطلات، كنا نستضيف الأقارب لتلاوة الأشعار في مدح رسول الله، محمد، صلى الله عليه وسلم.
يبدو أن السبيل الوحيد لتربية أطفال مسلمين متميزين هو اتباع نموذج اليهود الملتزمين في أميركا، فنستثمر الكثير من الموارد والوقت لإنشاء مدارس مغلقة أو نتبنى التعليم المنزلي في مجتمعاتنا.
ربما تساهم تلك البيئة في حماية الأولاد من التنمر. كنت أذهب لمدرسة كاثوليكية للأولاد، وكنت كثيراً ما أقوم بدور السفير الثقافي للمسلمين، فأشرح معنى الحجاب والصيام. وبرغم من أنني اضطررت لأن أكون موسوعة متحركة، إلا أن هذا شجعني على أن أجاهر بهويتي المسلمة بلا خوف.
يتخوف زميل دراستي، الرائد جيسون موي، من فكرة البيئة الإسلامية الخالصة. فهو يرى أن العزلة التامة ليست فكرة جيدة، ويؤمن بأن الأفضل للأولاد أن يندمجوا في الثقافة الأميركية.
يستطيع أبناؤنا أن يجدوا هوت دوج حلال في المساجد المحلية، وقد تضاعف عددها منذ هجمات 11 سبتمبر في عام 2001، وهي علامة على أنه، برغم تزايد التعصب، إلا أن المجتمعات المسلمة لا تزال قادرة على الحياة في أميركا.
لم تكن أي من مساجد حيّنا مشبعة لي، لا ثقافياً ولا روحياً ولا فكرياً. لقد بذلوا ما في وسعهم، ولكن مزيج السلفية مع فكر الديوبندية مع بقايا الصوفية المخففة الذي أجده في كثير من الأحيان لم يترك أثراُ في نفسي.
لذلك، تعتبر أسرتي في حالة "بداوة روحية"، فنحن لا نرتبط بمؤسسة بعينها.
يعتبر راضي هاشمي، الموظف بوزارة الخارجية ووالد لطفلين، أحد أعضاء مجتمع الـ "لا مسجد" أيضاً. وهو يستثمر في مشروع يسمى Make Space في فيرجينيا، يهدف لتوفير مساحة للآباء المسلمين والأزواج والشباب لممارسة دينهم وتربية أبنائهم.
نحن نسكن في مكان ليس ببعيد، واصطحبنا ابننا إبراهيم لصلاة العيد هناك. كان يرتدي الجلباب القصير، ويجري في الساحة أثناء خطبة الإمام الشاب عن التسامح. طالب الإمام بجمع التبرعات لكي يتمكن المسلمون من شراء مكان خاص بهم بدلاً من المكان المستأجر في مطعم أفغاني.
نحن نحاول أن نحافظ على الأشياء الجيدة التي تعلمناها من آبائنا، ونتخلص من العادات السيئة، ونرتجل على الطريق. تقوم ويلو ويلسون بكتابة قصص مصورة للأطفال تتضمن شخصية بطل خارق مسلم، وهي تقول "نناقش في مجتعمي المحلي كيف نخلق منهجاً ل"مدارس السبت" لأطفالنا حتى يتعلموا منه العبادات والتعاليم الإسلامية، فيكون مصدراً موثوقاً ويستطيع الجميع المشاركة فيه." فنحن لا نثق في الأئمة غير المؤهلين ولا في المواد الدينية التي قد ينشرها متشددون من بلاد أخرى، ونحاول أن نستفيد من تجارب أقراننا وكذلك من تراثنا القديم".
نصلي أنا وزوجتي في المنزل أمام أبنائنا عمداً، نتوجه إلى مكة، ونقرأ القرآن بصوت عال.
قام ولدي منذ أسبوعين بتقليد حركتي في الصلاة، وابتسم لي وهو راكع. لا إكراه في الدين، ولا يجب أن يكون. فهو ونسيبة سيقرران بنفسيهما اعتناق الدين والالتزام بالتقاليد، وكل ما عليّ هو أن أزرع البذرة بعناية.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.