يُشبّه منذر خطّاب البيروقراطية الألمانية بلعبة السلم والثعبان. فعندما وصل الشاب البالغ من العمر 23 عاماً من مدينة اللاذقية على السواحل السورية إلى العاصمة الألمانية برلين، العام الماضي، أُعطِيَ عنوان مركزٍ للوظائف في جزءٍ آخر من المدينة، ولكن عندما وصل إلى هناك، كان المبنى قد أُغلق للتحسينات، وفي نهاية المطاف عثر بالصدفة على المبنى البديل بعد ذلك بأسبوعين.
"في سوريا؛ هُناك دائماً طريق لتجنب البيروقراطية، حتى وإن كان ذلك يعني دفع بعض المال الإضافي، أما هُنا فلا يوجد سبيل للفرار من الأوراق"، هكذا يقول خطّاب، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 5 أغسطس/آب 2016.
ووجد صديقه غيث زمريق، البالغ من العمر 19 عاماً، من دمشق، مشكلة مشابهة، فعندما وصل إلى برلين؛ طُلِب منه توقيع 8 مُستندات، مُترجم 4 منها فحسب إلى العربية. يقول غيث: "لقد كان الأمر مُحبطاً، حتى أصدقائي الألمان يكافحون فيما يتعلق بالأعمال الورقية هُنا، فتخيل كيف يكون الأمر بالنسبه لوافد".
تطبيق Bureaucrazy
بتحفيز من إحباطهم؛ خاض خطاب وغيث مهمة تبسيط البيروقراطية الألمانية، ليس فحسب من أجل 1.2 مليون شخص طلبوا اللجوء بالبلاد منذ 2013؛ ولكن أيضاً من أجل الألمان. فمنذ مارس/آذار الماضي، قاما بالتعاون مع فريق من 4 سوريين آخرين لتطوير تطبيق سمّوه Bureaucrazy الذي يعني "جنون البيروقراطية"، حيث يعني تطبيقهم الجديد بإرشاد الوافدين والمواطنين الأصليين في متاهة ملء الاستمارات والتصاريح الرسمية.
وقد طُوِّر التطبيق في مؤسسة ألمانية غير ربحية باسم مدرسة التكامل التقني ReDI، والتي تُدرِّس الترميز لطالبي اللجوء، ويهدف تطبيق Bureaucrazy إلى الجمع بين 3 مهام رئيسية، وهي خدمة الترجمة التي من شأنها تحويل الوثائق الرسمية من اللغة الألمانية إلى اللغتين العربية والإنكليزية، وخدمة شجرة قرارات الاختيارات العديدة، التي من شأنها طرح وإجابة تساؤلات المشكلات الشائعة، وأخيراً خدمة الخرائط التي ترشد المُستخدمين إلى مكاتب الخدمات الصحيحة.
وفي حين لا يزال البرنامج قيد التطوير، يبحث الفريق عن دعم مالي وتقني لينطلق بشكل رسمي في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، ويأملون في النهاية أن يتمكن مُنتجهم من إرشاد هؤلاء الوافدين إلى ألمانيا خلال كل ما يحتاجونه، بدءاً من فتح حسابات بنكية إلى تأجير شقة، مروراً بالتقديم بالبرامج الدراسية بالجامعات أو التسجيل لدى مركز وظائف.
ملكة النبيذ
ويتزامن إطلاق التطبيق مع تتويج أول لاجئة كـ"ملكة للنبيذ"، وهو طقس تقليدي تم ابتكاره بالبلاد في الثلاثينيات من القرن الماضي، حي تُوِجت نينورتا باهنو، الآرامية المسيحية البالغة من العمر 26 عاماً والتي فرّت من سوريا قبل 3 أعوام ونصف، كملكة للنبيد، الأربعاء 3 أغسطس/آب، بمدينة ترير الألمانية، وستتنافس مع 12 سيدة أُخريات على اللقب القومي في سبتمبر/أيلول المقبل.
وقد ألقت موجة الهجمات الإرهابية التي جرب في بفاريا بالأسابيع الأخيرة الماضية بظلالها على سياسة المُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفتح الحدود الألمانية، خلال أزمة اللاجئين.
وأشارت مؤسسة مُنظمة مدرسة التكامل الرقمي، آن كيير ريتشيرت، إلى أملها أن تساعد مشاريع مثل تطبيق Bureaucrazy الألمان على معرفة أن أزمة اللاجئين قد جلبت أيضاً مواهب هائلة إلى بلدهم.
فقالت: "إذا كنّا نرغب في مساعدة العالقين بمعسكرات اللاجئين حول العالم، أو منع الاتجار بهم، فنحن في حاجة لتمكين أشخاص مثل عيث ومنذر والتعاون معهم، فإنهم يعرفون مباشرة كيف يبدو الحل، وبالتالي بإمكانهم أن يصيروا جزءًا من بناء الحلول الحقيقية".
ويقر منذر وغيث اللذان أوقفا دراستهما بسوريا لتجنب الخدمة العسكرية أن الطريق إلى استكمال التطبيق لا يزال طويلاً؛ فالنموذج الأول من تطبيق Bureaucrazy يستخدم خدمة ترجمة مُقدمة من قِبل شركة Yandex، وهي بمثابة النظير الروسي لشركة جوجل العالمية، على الرغم من أن خواريزميات البرمجة بإمكانها بعض الوقت أن تجد صعوبة في التركيبات الألمانية.
فالأسماء المُركبة مثل Polizeiliche Meldebescheinigung، التي تعني شهادة التسجيل لدى الشرطة، أو Untervermietungserlaubnis الذي يعني إذن البيع، لا تزال تبدو غربية وغير مطابقة عبر استخدام تلك الخدمة.
وعندما قدم الفريق مشروعه لدى قمة الشركات الناشئة بأوروبا، في يونيو/حزيران، وجدوا ردود فعل إيجابية غامرة، فقد قال خطاب في حديثه للغارديان: "إن العديد من الرومانيين والإسبان أخبرونا بشأن حاجتهم لتطبيق مماثل، وأنهم خاضوا تلك المشكلة بالنسبة للاجئين".
ومن أجل أن يعمل التطبيق بكفاءة، سيحتاج Bureaucrazy لتخزين المعلومات واستمارات الملء أوتوماتيكيا للمستخدمين المُسجلين لديه، وهو ما يعد بمثابة خطورة كبيرة، خاصة في دولة على اكتراث هائل بأمان البيانات مثل ألمانيا، فيقول عيث: "إن الألمان حقاً معنيين جداً بخصوصيتهم".
ويرغب المطورون في نهاية المطاف بأن يحشدوا لتمويل تطبيقهم، ولكنهم ليسوا على يقين من مكان الاحتفاظ بتمويلهم، حتى إذا تمكنوا من الحصول على تمويل نقدي، فيقول غيث إنه إذا وضع أكثر من 700 يورو (ما يعادل 595 جنيهاً إسترلينياً) بحسابه البنكي، فستكون هناك مشكلة بمركز العمل، وحتى الآن رُفِضت كل طلباته للحصول على حساب بنكي إلكتروني من شأنه إنجاز المهمة.
-هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.