لست في مقام المعلم ولا المزاود، ولا أدعي أني أحمل رؤية واضحة ولا حكمة كاملة، لكن من موقع الأخ المتألم الذي سبق له أن مر بالتجربة، أقول هذه الكلمات: لقد خدعنا أنفسنا.. وأيضاً، لقد خدعوناً طويلاً.
كانت اللعبة كبيرة جداً.. وكنا كلما استعدنا – كفلسطينيين، أفراداً ومجموعات – زمام المبادرة لنقرر كيف نعيش حياتنا كما ينبغي كان يأتي من يضحك علينا -سواء من أبناء جلدتنا أو من آخرين- ليقنعنا بتفويض أمورنا لدول إقليمية أو قوى عالمية كي تحسم الأمور وتعيد الحقوق وأن علينا الانتظار.. وكنا ننخدع غالباً.. وكنا نخسر دائماً.
بقي لحد الآن كثير من أجدادنا وجداتنا وآبائنا وأمهاتنا ينتظرون ويحلمون بالعودة ومن يستعيد لهم حقوقهم.. وآخرون من أجدادنا وآبائنا استعادوا زمام المبادرة لفترة من الزمن ثم خدعتهم النخب وأدخلتهم في صراعات السلطة والسياسة بحجة حلم الدولة.. ولم يكن مصيرهم مختلفاً كثيراً.
خلال ما يقرب من الـ100 سنة الماضية، وهي عمر الاحتلالين البريطاني والإسرائيلي، عاش قطاع كبير من الفلسطينيين حياة الانتظار أغلب الوقت، حياة معلقة، مفوضين أمورهم لغيرهم، معتقدين أن لا حول ولا قوة لهم، وكان عندما ينزاح الوهم قليلا ويبدأون بالحركة سرعان ما كان يتم خداعهم بنفس الطريقة.
باختصار.. أيها السوريون، لا تفعلوا مثلنا، لا تعيشوا حياة معلقة، ولا تسلموا مصيركم لغيركم.
من كان منكم قادراً على تكوين مجتمعات جديدة، سواء على أرض سوريا أو في محيطها فليفعل، لا تسمحوا بتحول هذه المجتمعات إلى مخيمات لاجئين، عليكم تجاوز الصدمة وتقبل أن الكيانات والمجتمعات القديمة في هذه المنطقة لن تعود كما كانت، استعيدوا زمام المبادرة، ولا تفوضوا أموركم لأحد، لا تنتظروا العودة لماض متخيل، تقدموا باتجاه المستقبل لتصنعوا مجتمعاً جديداً بقيم جديدة تتجاوز ذلك الماضي الذي أودى بكم لما أنتم فيه.
ومن لم يقدر على ذلك، فليكن خيارك أن تبحث عن مكان تعيش فيه بكرامة، وتتعلم فيه وتتواصل مع أحرار العالم الذين استوعبوا أن المشكلات التي يعاني منها البشر في كل مكان واحدة في جوهرها، وعلى الجميع العمل لمواجهتها.
باختصار.. لا تنخدعوا بالحديث عن العودة، لا تسلموا مصيركم لأحد، استعيدوا زمام المبادرة، وتكاملوا مع أحرار العالم.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.