رحلتي من البر إلى البحر “1”

انتهت السنة الدراسية وتحتم عليّ البحث عن التدريب (stage) في مراكب الصيد، كنت متحمساً جداً وأخيراً سوف أتمكن من الإبحار، لكن الصدمة كانت قوية فعلاً!

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/30 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/30 الساعة 03:15 بتوقيت غرينتش

عند نجاحي في امتحان القبول ودخولي معهد الصيد البحري، تخيلت أنهم سيعطونني سفينة أبحر بها في اليوم التالي، كان خيالي خصباً حقاً، لكن الواقع عكس ذلك، كان يتحتم عليَّ اجتياز عتبة المعهد واحترام نظامه، وكذا إدراك المعارف اللازمة لأكون مؤهلاً للإبحار.

في معهد الصيد البحري قضيت عاماً كاملاً أستيقظ في السادسة صباحاً على صوت الجرس المزعج حد الغثيان.. أستيقظ أحياناً في تكاسل، أو أنتظر حتى يقوم تلميذ الأسبوع بالطرق على أبواب المتدربين.

هناك من تغريه السلطة التي منح إياه من طرف المؤطرين العسكريين، يقتحم الأبواب عنوة ويصرخ في آذان المتدربين أو يسحب البطانيات عنهم، وهناك مَن لا هم له سوى إكمال أسبوعه على خير فهو غير معني أن استيقظت أم لا.. ينادي في الممر قليلاً، ثم ينصرف إلى المطعم ليستقبل وينظم ويحرس على أن يأخذ كل متدرب حصته دون زيادة أو نقصان.

أتذكر صديقي يوسف الذي كان يشاركني الغرفة هو وآخرون، والذي كان كثير التذمر مفرط التشاؤم.

على أية حال ستستيقظ شئت أم أبيت، فإن تأخرت عن السابعة وخمس عشرة دقيقة بثانية واحدة ستجد باب المطعم مغلقاً في وجهك بأمر من المؤطر العسكري.. وقد تجد وراء الباب الزجاجي تلميذ الأسبوع يبتسم بخسة.. لن أظلم الجميع فهناك من كان لا يرضى بأن تذهب للدراسة خاوي الأمعاء، ويحاول بكل جهد تجميع حصة لك وإخراجها على حين غرة من المؤطر، ولو تطلب الأمر مرورها عبر الشبابيك أو على يد عميل!

نقوم بتحية العلم بعد تأدية بعض الحركات العسكرية في انضباط تام، ثم ننطلق إلى قاعات الدراسة.

تنتهي مهام المؤطرين العسكريين؛ لتبدأ مهام الأساتذة المدنيين في تعليمك أبجديات الملاحة البحرية والصيد أو عن هندسة السفينة ومكوناتها وأنواع المحركات بها، حسب التخصص الذي اخترته.

يكون الغداء جاهزاً في تمام الثانية عشرة والنصف زوالاً بنفس تفاصيل حكاية الفطور، وفي الثانية زوالاً تكون العودة لمقاعد الدراسة أو القيام بنشاط آخر، حسب الجدول الزمني للمواد المقررة، يسدل الستار في المساء بتحية علم أخرى، ثم تتفرق الصفوف.

بعد العشاء يُحيي الشباب ليلتهم في رحم الداخلية إلى حين إطفاء الأضواء في العاشرة.. هذا يحاول حفظ دروسه.. والآخر غارق في مكالمة حبيبته التي لم يرَها منذ الشهر.. وثالث يسرد مغامراته على المريدين.. أما صديقي يوسف ففي كل جلسة لا كلام له إلا عن سوء التدبير وكراهية الدراسة والقطاع.. يؤازره في ذلك فؤاد بإعرابه عن قلقه من المستقبل المجهول بعد التخرج، ويحتج بحكايات السابقين الذين انصرفوا عن القطاع كرهاً.. لن أقول لكم ما كان موقفي من هذا كله سوى أنني كنت أنادي بالديمقراطية والشفافية، وسط عشرات لا يعرفون قولاً غير قول: "سمعنا وأطعنا".

عرضتني مواقفي هذه للكثير من المواقف المزرية، لكن شوكتي لم تنكسر!

انتهت السنة الدراسية وتحتم عليّ البحث عن التدريب (stage) في مراكب الصيد، كنت متحمساً جداً وأخيراً سوف أتمكن من الإبحار، لكن الصدمة كانت قوية فعلاً!

(يتبع)..

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد