تصفية تنظيم غولن دَفعة للديمقراطية التركية

استعادت الحكومة التركية زمام الأمور، وأعلنت عزمها القضاء على التنظيم المتغلغل ضمن مؤسسات الدولة، بعد نجاح الشعب التركي بفضل صمود قيادته وتوحد سياسييه، في إفشال المحاولة الانقلابية التي قام بها تنظيم غولن عبر شبكته داخل مؤسسات الدولة وتحديداً عبر تنظيمه في داخل المؤسسة العسكرية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/29 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/29 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

استعادت الحكومة التركية زمام الأمور، وأعلنت عزمها القضاء على التنظيم المتغلغل ضمن مؤسسات الدولة، بعد نجاح الشعب التركي بفضل صمود قيادته وتوحد سياسييه، في إفشال المحاولة الانقلابية التي قام بها تنظيم غولن عبر شبكته داخل مؤسسات الدولة وتحديداً عبر تنظيمه في داخل المؤسسة العسكرية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عزم الحكومة على تفكيك شبكة التنظيم داخل مؤسسات الدولة ليس بالأمر الجديد، فالتنظيم الذي تغلغل عبر ما يقارب من ثلاثين سنة، وصل إلى مواقع حساسة في مختلف أجهزة الدولة، وأخذ بالعمل على تسخير مقدرات الأجهزة الحكومية لصالحه ولصالح عناصره عبر استخدام طرق ملتوية لا تمت للعدالة أو الديمقراطية بصلة، فلم يتورع التنظيم حتى عن سرقة امتحانات الموظفين والكليات العسكرية وتسريبها لمنتسبيه، فضلاً عن استخدام طرق الابتزاز وتلفيق التهم ضد معارضيه أو حتى منافسيه داخل أجهزة الدولة.

كانت أدوات التنظيم في تنفيذ ذلك هي شبكة عناصره المتغلغلين داخل مؤسسات الدولة، والذين يعملون بأمر قادتهم في التنظيم وليس مسؤوليهم في العمل، ولتنشئة العناصر وزرعها في أجهزة الدولة بما فيها الحساسة منها كالأجهزة الأمنية والجيش، كان التنظيم يلجأ بدايةً إلى المعاهد التعليمية والجامعات كمراكز للاستقطاب والتنظيم، ويستخدم الجمعيات والسكنات الطلابية كغطاء لنشاطاته التنظيمية، حيث أظهرت اعترافات معاون رئيس الأركان التركي والمشارك في الانقلاب.. على سبيل المثال كيف كان التنظيم قد استدرجه إلى بيوته الطلابية وكيف أغروه بدخول الكلية الحربية بل وسربوا الأسئلة له قبل امتحان الكلية، وكيف حرصوا لاحقاً على إبقاء التواصل معه بشكل سري، وكانت أهم وظائفه هي زرع أجهزة التجسس في غرفة رئيس الأركان وقيادات الجيش العليا الأخرى، ومن ثم إيصال هذه التسجيلات لاحقاً إلى مسؤوليه في التنظيم.

لم تقف عقلية التنظيم المكيافيلية فقط عند السرقة والغش والتجسس، بل قام التنظيم من خلال شبكة عناصره في الأمن والقضاء بتلفيق التهم وتزوير الأدلة في العديد من الدعاوى التي استخدمت خلال السنوات الماضية للقضاء على منافسيه، هذه الدعاوي التي طالت حتى رئيس جهاز الاستخبارات التركية نفسه، حيث حاول التنظيم في قضية ملفقة في شباط 2012 اتهامه بالتواصل مع التنظيمات الإرهابية.

حرص التنظيم على زرع عناصره في مواقع حساسة ومفصلية داخل أجهزة الدولة، ما أعطاه قوة أكبر من قوته الحقيقة، فعلى سبيل المثال حرص التنظيم على زرع عناصره في مواقع الاستخبارات وشؤون الضباط (المسئولة عن الترفيع وتوزيع المهام) الأمر الذي منح التنظيم نفوذاً وقدرة على الوصول للمعلومة، التي استخدمها في كثير من الأحيان لاحقاً صد خصومه أو منافسيه..

هذه الآلية التي استخدمها التنظيم أخلّت بأسس الديمقراطية والعدالة، كما أنها منعت الرجل المناسب من الوصول للمكان المناسب ما شكل عاملاً سلبياً في نهوض العديد من المؤسسات، إضافة إلا أنها شكلت حالة من السخط ضد التنظيم وعناصره في كافة فئات الشعب، ولعل هذا الأمر هو ما يفسر عدم تعاطف أي من الشرائح الشعبية بمختلف توجهاتها السياسية والفكرية (بما فيها المعارضة) مع التنظيم وعدم قبول ادعاءاته.

بعد استعادة الحكومة زمام الأمور أعلنت عن تطبيقها حالة الطوارئ في البلاد، والتي تهدف لتوسيع صلاحيات السلطات المدنية بما يكفله الدستور للتسريع في الإجراءات القانونية ضد المشتبه بهم في المشاركة بالانقلاب، وكانت أولى القرارات المتخذة ضمن إطار حالة الطوارئ هو الإعلان عن إغلاق المؤسسات والجمعيات التابعة لتنظيم غولن..

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التركية ممثلة بمجلس الأمن القومي كانت قد صنفت تنظيم غولن في شهر أكتوبر الماضي كتنظيم إرهابي، وبدأت منذ ذلك الوقت باتخاذ الاجراءات القانونية ضده، وكان من ضمن ذلك إعداد القوائم بالعناصر والمؤسسات التابعة للتنظيم.

حاولت وسائل الإعلام الغربية والمقربة من تنظيم غولن تصوير إغلاق هذه المؤسسات وكأنها ضربة للديمقراطية والنهضة التركية، الأمر الذي أبعد ما يكون عن الحقيقة. فعلى سبيل المثال كان من ضمن مؤسسات التنظيم التي تم إغلاقها 7 جامعات خاصة، وبالنظر إلى عدد الجامعات التركية وفق إحصائيات عام 2015 البالغ 190 جامعة منها 119 حكومية و76 جامعة خاصة، يتضح أن جامعات التنظيم المغلقة تمثل ما نسبته 3.6% من جامعات تركية فقط، كما أن هذه الجامعات ما زالت في ذيل ترتيب الجامعات التركية.

أما بالنسبة لمعاهد التعليم الخاصة التي تتبع التنظيم فتشكل نسبتها ما يقارب 13% من عموم المعاهد التعليمية البالغ عددها 8316 وفق إحصائية عام 2015، وكان الكثير من الباحثين قد طالب سابقاً بدمجها ضمن المنظومة التعليمية الحكومية نظراً لما تتركه من أثر على عدالة وتساوي الفرص للطلاب.. ينطبق الأمر أيضاً على بقية المؤسسات التي تم إغلاقها، فعدد المراكز الصحية التي تتبع للتنظيم والتي تم إغلاقها يبلغ 35 مركز في حين يبلغ العدد الإجمالي لهذه المراكز في عموم تركيا ما يقارب 7000 مركز.

وبالنظر إلى الأرقام والمعطيات يبدو جلياً أن تأثير إغلاق هذه المؤسسات على مسيرة المنظومة التعليمية ومسيرة النهضة بتركيا ليس بالشيء الذي يذكر، بل على العكس من ذلك سوف تعطي هذه الإجراءات دفعة لمسيرة النهضة والديمقراطية فتأثير التنظيم في هذا الصدد كان سلبياً في عمومه. وستؤدي هذه الإجراءات إلى تضييق المجال على الطرق الملتوية وغير الديمقراطية كالمحسوبية، ومن شأنها أن تنهي وسائل الابتزاز والدعاوى الملفقة التي كانت أهم أحد وسائل التنظيم في التغلغل والسيطرة على أجهزة الدولة.

لقد استطاعت تركيا قيادةً وشعباً تخطي هذه الأزمة التي استهدفت الديمقراطية التركية ونهضتها، وبدأت مرحلة جديدة تبدو فيها أكثر تصميماً على ترسيخ قيم العدالة والديمقراطية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد