بعد استماعي لخطاب المستشارة الألمانية السابق حول ما وقع في تركيا، وبعد تحليل ردود فعل القادة الأوروبيين، ورئيس الولايات المتحدة الأميركية، استنتجت أن لا وجود للديمقراطية في الغرب، تركيا دولة عظمى وأوروبا تعرف ذلك وتستوعب جيداً أن انضمامها سيزيد أوروبا أهمية، لكن ليس تركيا الأردوغانية الإسلامية، وإنما هم بحاجة لتركيا اليسارية وتركيا البيدق، لكي يتحكموا في تغيير موضع هذا البيدق كما يريدون، كان حلمهم هو وضع تركيا في قبضة يدهم مثل مصر وكثير من الدول العربية.
بعد فشل الانقلاب العسكري كانت صفات الحزن على محياهم بارزة، كأنهم خسروا معركة في الحرب، كانوا ينتظرون من المعارضة التركية مساندة العسكر والانقلاب على أردوغان، وبعدها ضم تركيا إلى قارتهم، لكن بدون الأفكار الأردوغانية وإنما هذه المرة بالأفكار اليسارية التي كانت ستكون أفكارهم، لكن عكس الديمقراطية المزيفة التي يتبنون، نجد الديمقراطية الحرة والصرفة لدى المعارضة اليسارية التركية على شكل علم ملون بالأحمر والأبيض يرفرف في الهواء التركي تنديداً بالانقلاب على السلطة الشرعية، هذا معناه أن المعارضة التركية أعطت لأوروبا دروسا قيمة في الديمقراطية، التي يُدرِّسونها هم في جامعاتهم، لكن يفعلون عكسها في مشاريعهم السياسية.
من خلال هذا الدرس التركي لأوروبا برهنت المعارضة التركية على أنها لا تقبل أن تكون بيدقاً على رقعة الشطرنج يحركه القادة الأوروبيون كما يحلو لهم.
خروج الشعب للشارع لمساندة أردوغان المنتخب ديمقراطياً للتظاهر ضد الانقلاب لم يحزن الغرب فقط، بل سيضيف لقاموسهم كلمة جديدة وهي الأردوغانوفوبيا، وخصوصاً لدى فرنسا المعارضة لظم تركيا الأردوغانية إلى أوروبا، كانوا يعتقدون أن أردوغان غير مرغوب فيه في تركيا، وأن الانقلاب عليه سيكون سهلاً، أما الآن سيتكون لديهم الخوف الأردوغاني بعدما شاهدوا من بيوتهم مدى تشبث الشعب التركي بما فيه المعارضة بمدنية الحكم ومساندة السلطة الشرعية.
بعدما لعب الشعب التركي دور الأستاذ للاتحاد الأوروبي في مادة الديمقراطية، أعطى أيضاً ساعات إضافية للشعب المصري في كيفية إفشال الانقلاب العسكري في ساعتين فقط من الزمن، درساً للشعب المصري تطبيقياً وليس نظرياً، فعلاً أعطى درساً مهماً للشعب الذي سمح لمن يرتدي بوطاً عسكرياً أن يجلس على كرسي الحكم.
لكن هناك سؤال مهم يجب طرحه في هذا السياق، إذا أردنا التكلم في المغرب عن مسألة من الرابح ومن الخاسر بعد إفشال الانقلاب العسكري في تركيا، هل الرابح هو عبدالإله بنكيران أم إلياس العماري؟
أرى أن الانقلاب العسكري الذي أفشله الشعب التركي ما هو إلا حملة انتخابية لحزب العدالة التنمية المغربي في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حملة مجانية لم تكلف بنكيران لا مالاً ولا وقتاً، تجربة فاشلة للعسكر في تركيا، لكنها ستلعب حتماً دوراً مهماً في وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم لولاية ثانية، الشعب التركي أبان للشعب المغربي كيفية مساندة رئيسهم أردوغان ضد الانقلابيين، نفس التجربة في المغرب، لكن لا يتعلق الأمر بالعسكر، بل يتعلق الأمر بشخص إلياس العماري وبخطته المدروسة التي تهدف إلى محاربة الإسلاميين والانقلاب على عبد الإله بنكيران مهما كلف الثمن، لكن التجربة التركية هذه أفاقت الكثير من المغاربة من سباتهم، وساعدتهم على استنتاج أن إلياس العماري ما يهمه إلا السلطة لكي يسخرها لمصالحه فقط.
ولكي لا يعتقد البعض أنني أقوم بسياسة ماركتينية لحزب العدالة والتنمية، أشير إلى أنني ليبرالي عضو في الحزب الديمقراطي الحر الألماني، لا أشاطر هذا العدالة والتنمية والإسلاميين بصفة عامة مرجعيتهم، لكن رغم اختلافي معهم في مسألة تطبيق الدين في الحقل السياسي، فإنني أشاطرهم نفس الشق من الطيف السياسي، وكلنا ضد اليساريين والاشتراكية كما ضد وصول من لا يفرق بين كوشي وكروشي إلى الحكم في المغرب.
وإذا قررت أن أمارس السياسة في المغرب، لن أركب سفينة غير سفينة الاتحاد الدستوري بحكم أيديولوجيته الليبرالية، هذا في الظروف العادية، أما إذا تعلق الأمر بالاختيار بين عبد الإله بنكيران وإلياس العماري، سأستسلم لبعض الوقت وأساند العدالة والتنمية رغم الاختلاف في جانب التطبيق الديني في ما هو سياسي، لكننا نتقاسم ركيزة الفكر الذي أتبناه وهي الحرية الاقتصادية محرك التنمية والازدهار التي يحاربها أمثال إلياس.
ويبقى السؤال المفتوح: بعد فشل الانقلاب على أردوغان، هل سيفشل الانقلاب على بنكيران؟
هشام الدلوفي
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.