مرت خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية التي ما لبثت أن تحولت إلى حرب طاحنة أتت على البشر والحجر، مجبرة بذلك آلاف السوريين على النزوح داخل الأراضي السورية، والملايين منهم على مغادرة سوريا، للبحث عن مكان آمن لهم ولأسرهم.
في السنوات الأولى للثورة، توجه معظم اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة، ظناً منهم أن النزاع لن يطول، وأنهم عائدون إلى وطنهم في القريب العاجل، لكن المصالح الجيواستراتيجية المعقدة بالمنطقة ودخول أكثر من طرف على خط الثورة، جعل هذه الأخيرة تأخذ منحى آخر، وتجبر المزيد من السوريين على مغادرة الوطن، ومع ازدياد تدفق اللاجئين السوريين على الدول المجاورة لسوريا، لم يكن هناك بُدٌّ من التوجه إلى أوروبا، خصوصاً بعد الموقف المخزي لجل الدول العربية والإسلامية على المستويين السياسي والإنساني، والذي أسهم في كارثة إنسانية هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
كيف تعامل الاتحاد الأوروبي إذن مع تدفق موجات اللاجئين السوريين إليه؟ تتطلب الإجابة عن هذا السؤال فهم الكيفية التي تدار بها قضايا اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
تحاول بلدان الاتحاد الأوروبي، منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، نهج سياسة موحدة في ما يخص قضايا اللجوء، إذ فور تمتين علاقات دول الاتحاد الاقتصادية، التي شكلت الأساس للاتحاد الأوروبي، كما نعرفه اليوم، توجهت الدول الأوروبية إلى باقي القضايا القانونية والاجتماعية، وعلى رأسها الهجرة واللجوء، وبذلك، تمكنت دول الاتحاد الأوروبي من إنشاء "النظام الأوروبي المشترك للجوء"، كما أنشأت فضاء "شنغن" سنة 1985، الذي بموجبه تم إلغاء الحدود بين هذه الدول وإنشاء حدود خارجية مشتركة بين دول الاتحاد، وهو ما يفسر سهولة التنقل دون قيد أو شرط بين دول الاتحاد الأوروبي فور حصول الشخص على تأشيرة إحدى الدول الأعضاء.
يرتكز "النظام الأوروبي المشترك للجوء" على "نظام دبلن" المكون أساساً من "اتفاقية دبلن" (1990)، و"اتفاقية دبلن 2″ (2003)، بالإضافة إلى "اتفاقية دبلن 3" (2013)، ويهدف "نظام دبلن" إلى مواءمة سياسات اللجوء المختلفة ببلدان الاتحاد، وبموجبه، يحق للاجئ طلب اللجوء في دولة واحدة فقط، وغالباً ما تكون هذه الدولة هي الأولى التي وصل إليها اللاجئ، وبالتالي، تكون إيطاليا، وإسبانيا، واليونان وهنغاريا هي الدول المسؤولة عن دراسة ملف اللاجئ وإعطائه اللجوء في كثير من الحالات، رغم تدني مستوى الخدمات التي تقدم للاجئين بهذه البلدان والفرق الشاسع بينها وبين دول الاتحاد الأخرى ذات الاقتصادات القوية، عدا سياساتها المعادية لللاجئين والمهاجرين (اليونان وهنغاريا مثلاً)، وتشكل هذه الدول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والبوابات الرئيسية التي يتدفق منها اللاجئون، وهي كذلك الدول الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية وأزمة الديون وإجراءات التقشف التي تلتها، مما يخلق تفاوتاً جلياً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالهجرة واللجوء.
يُمكَّن نظام دبلن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من التحكم في طلبات اللجوء التي يتم تقديمها داخل الاتحاد ومنع طالب اللجوء من تقديم أكثر من طلب في أكثر من دولة، ما يعني أن لطالب اللجوء "فرصة" وحيدة لتقديم طلبه، وهو ما يفسر إصرار الكثير من اللاجئين السوريين على الوصول إلى بلدان أكثر كرماً وسخاء مع طالبي اللجوء كألمانيا والسويد، وتجنبهم "البصمة" بدول أخرى غيرها، إذ ما إن يبصم طالب اللجوء بدولة ما حتى تصبح هذه الدولة ملزمة بدراسة طلبه ومنحه اللجوء.
جعل هذا النظام الذي وضعته دول الاتحاد الأوروبي من أوروبا "قلعة" حصينة يصعب الوصول إليها، بموجب القانون أولاً، حيث لا توجد إمكانية لطلب اللجوء بسفارات دول الاتحاد في دول الجوار السوري، إذ يجب أن يوجد طالب اللجوء السوري على أراضي الدولة التي يسعى إلى الحصول على حمايتها، بالإضافة إلى ذلك، فرضت دول كإسبانيا وبريطانيا تأشيرة عبور على اللاجئين السوريين خاصة، وبالتالي، يضطر اللاجئون إلى التعامل مع المهربين وركوب المخاطر قصد الوصول إلى أوروبا، ليصطدموا حال وصولهم بالواقع البعيد كلية عن خطاب حقوق الإنسان الذي طالما تغنت به الدول الأوروبية.
منذ اندلاع الثورة السورية، كان الاتحاد الأوروبي حذراً في التعامل مع هذه الأخيرة، فعلى المستوى السياسي، اكتفى الاتحاد الأوروبي بالتنديد بالعنف الذي مورس على المتظاهرين من طرف الحكومة السورية، ودعوة هذه الأخيرة إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، لكن وحشية النظام السوري في التعاطي مع الثورة أدت إلى تغيير واحتداد لهجة الاتحاد الأوروبي لتصل إلى مطالبة بشار الأسد بالتنحي وفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، ومع تأزم الأوضاع، استمر الاتحاد الأوروبي في التنديد بالمذابح التي ترتكب في سوريا بشكل يومي، و"دعم" حراك الشعب السوري وانتفاضته، دون اتخاذ خطوات عملية إزاء تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى دول الاتحاد عبر البحر الأبيض المتوسط خاصة، رغم أن ما يقارب النصف من مجموع الأشخاص الذين يصلون إلى أوروبا بحراً هم لاجئون سوريون في حاجة إلى حماية دولية فورية.
لم تغير المآسي الكثيرة التي وقعت وكان أبطالها لاجئين سوريين شيئاً في المشهد، إذ انكبت دول الاتحاد على اتخاذ إجراءات لتعزيز ترساناتها على الحدود البرية والبحرية، مقدمة بذلك حماية حدودها على حماية ضحايا الحرب، لكن ألمانيا والسويد كانتا الاستثناء في دول الاتحاد الأوروبي، إذ استقبلتا أكبر عدد من اللاجئين السوريين على أراضيهما مقارنة بالدول الأخرى، في المقابل، استقبلت الدول المجاورة لسوريا، وعلى رأسها لبنان وتركيا والأردن، الملايين من اللاجئين السوريين، رغم تواضع إمكانياتها الاقتصادية مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي، إذ تُعدُّ نسبة السوريين الذين توجهوا إلى أوروبا في خضم الحرب هزيلة جداً، مقارنة بدول الجوار السورية، ومع ذلك، يصور الإعلام الغربي الأمر عكس ذلك تماماً في حديثه عن اللاجئين.
يمكن القول إذن بأن "أزمة" اللاجئين السوريين عرت السياسة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة واللجوء، والتي تخلط بين المهاجرين لدوافع اقتصادية، واللاجئين المحتاجين إلى حماية دولية وفق القانون الدولي، كما أنها كشفت جلياً الخلل في "النظام الأوروبي المشترك للجوء"، و"نظام دبلن" القائمين نظرياً على العدل والتضامن المطلق بين دول الاتحاد الأوروبي، اللذين لا يلبثا أن يكرسا الفوارق بين هذه الدول على المستوى العملي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.