من بين الاقتصادات الصاعدة، التي تسمى اختصارا بالبريكس BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، تتوافر إفريقيا على ممثل لها في هذا النادي الصاعد حقق نتائج اقتصادية مهمة، وتعتبر بوتسوانا بدورها قصة نجاح عالمية، استطاعت خلال العشرين سنة الأخيرة الجمع بين الاستقرار الاجتماعي والانفتاح السياسي ونمو اقتصادي يصل معدله إلى 8 في المائة، ففي هذا البلد الإفريقي يصل الناتج الداخلي الخام الفردي إلى 6360 دولاراً أميركياً سنة 2015 (مقابل 2871 في المغرب، و6472 في جنوب إفريقيا في السنة ذاتها)، حسب إحصاءات البنك الدولي.
أما عدد الدول الإفريقية التي يتراوح دخلها الفردي السنوي ما بين 5000 و20000 دولار أميركي، فقد بلغ نحو 16 دولة سنة 2015، ويتركز أغلبها في الشمال الإفريقي وفي الجنوب الغربي للقارة، بما يجعلها تشكل تكتلات اقتصادية مهمة، تغري القوى الاقتصادية العالمية بالولوج إلى أسواقها.
وعلى صعيد التحول إلى الديمقراطية، حققت بعض البلدان الإفريقية نتائج مهمة، وهناك تجارب متنوعة، بين الأنظمة البرلمانية (كجنوب إفريقيا وبوتسوانا)، وبين الأنظمة الرئاسية المقيدة التي تنظم انتخابات شفافة وتعرف احتراماً كبيراً لحرية الصحافة والحريات المدنية (مثل السنغال)، ولما وقع الانقلاب العسكري على العملية الديمقراطية في مصر، علقت عضوية الدولة المصرية من النادي الإفريقي بسبب إيقاف المسلسل الديمقراطي في هذا البلد، وهو دليل نضج بعض الديمقراطيات الإفريقية الوليدة.
خلال العقدين الأخيرين نشأت قوى اقتصادية محلية في القارة الإفريقية كنتيجة لمجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتطورت الأسواق، وتمكنت البنيات المؤسسية، رغم هزالتها، من جذب الاستثمارات الأجنبية، الغربية والآسيوية خصوصاً، واشتعل التنافس بالتالي بين هذه القوى على الساحة الإفريقية كتحصيل حاصل، إن إفريقيا أصبحت مجالاً للتنافس والصراع وبناء الأحلاف بين القوى الكبرى وبعض الدول المنبثقة التي تقاتل في الساحة الدولية من أجل ضمان منافذ للسلع وأسواقاً للمواد الأولية التي تغذي برامجها الصناعية.
في محيط مثل هذا، وكجزء منه بحكم الجغرافيا والثقافة والدين واللغة، سيجد المغرب نفسه محاصراً إذا لم يستطع أن يضمن وجوده داخل الأحلاف السياسية والاقتصادية والجيوبوليتيكية الإفريقية، وهذا ما يفسر العودة الجديدة للمغرب إلى نادي الاتحاد الإفريقي، يتعلق الأمر أساساً بالاستفادة من الأسواق الاقتصادية وبحماية مصالحه الحيوية، لقد خرج المغرب من الاتحاد الإفريقي سنة 1984 بسبب قبول عضوية جبهة البوليساريو الانفصالية التي كانت تخوض معه حرباً شرسة، ودخل الآن من أجل تقليص هوامش المناورة أمام هذه الحركة الانفصالية، ومن يدعمها داخل الفضاء الإفريقي.
إن السياسة الخارجية المغربية محكومة بالدرجة الأولى بتدبير قضية الصحراء، وقد اتجه المغرب منذ بضعة أشهر إلى محاولة تنويع شركائه الدوليين (الانفتاح على الصين وروسيا وتركيا) بعيداً عن الشركاء التقليديين الغربيين (فرنسا وأميركا خصوصاً)، الذين أصبحت كلفة الاعتماد عليهم مرتفعة وغير مضمونة النتائج، ففي ملف الصحراء تعرض المغرب لضغوط هائلة من طرف الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة، ودخل في معركة كبيرة مع الأمم المتحدة خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، بسبب زيارة أمينها العام لمخيمات الصحراويين وتصريحاته المعادية للمغرب من هناك، والذي لقي دعماً ومساندة من طرف الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً.
في ظل هذه الأجواء والتحديات، برزت إلى السطح مجدداً مطالبات مغربية محلية قديمة بتجاوز "سياسة المقعد الفارغ" في النادي الإفريقي، ويبدو أن الواقع قد فرض على المغرب الرجوع لشغل منصبه ومواجهة مدعمي جبهة البوليساريو الانفصالية في أروقة الاتحاد الإفريقي بدعم من الحلفاء الأفارقة التقليديين للمغرب الذين كانوا يحرسون مصالحه الجيواستراتيجية طيلة الثلاثين سنة الأخيرة لما كان غائباً، كما سيبحث المغرب أيضاً من خلال هذه العودة عن الاندماج أكثر في الفضاء الإفريقي الذي يبدو واعداً على الصعيد الاقتصادي.
إنها إذن عوامل سياسية وأخرى اقتصادية مجتمعة هي ما تفسر طلب عودة المغرب لشغل عضويته في مؤسسات الاتحاد الإفريقي خلال أشغال قمة كيغالي في يوليو/تموز 2016.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.