في وقت قياسي وقبل حتى السلطات الفرنسية نفسها نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية خريطة مفصلة عن مسار الشاحنة منذ انطلاقها حتى تنفيذها العملية، السؤال هنا متى وكيف تم الحصول على كل هذه المعلومات؟ وكيف تحصل عليها الصحفيون في وقت قياسي؟ نعم إنها بلد الرجل الخارق إنها بلد باتمان.
في نفس السياق، وعلى ذكر الصحافة الأميركية بالأمس نشرت قناة nbc الأميركية سيئة السيط، وهي التي خاضت الحرب الإعلامية عند غزو العراق سنة 2003 مقابلة مع بشار الأسد، في الوقت الذي حتى وسائل الإعلام الموالية لنظامه لا تستطيع تأمين حتى مقابلة مكتوبة معه وليست مصورة،
تزامن مع هذا الحدث القضاء على القيادي الداعشي المكنى بأبوعمر الشيشاني الذي كان في وقت قريب شخصاً هلامياً لا يقدر أحد على الإيقاع به، طبعاً حسب ما يصوره الإعلام لنا، ولكن ها هي بلاد باتمان توقع به وتقتله، وإذا عرفت السبب تصبح النتيجة بديهية، فلمن لا يعلم فإن هذا الرجل هو أحد أمراء الحرب الأشداء لدى داعش، وهو من أوكلت له مهمة قتال "المعارضة المعتدلة" في سوريا كما تسميها أميركا، متمثلة أساساً في جيش الإسلام والجيش الحر والفصائل الأخرى التي تقاتل النظام، وتختلف أيديولوجياً مع داعش، وبما أن الأتراك غيروا من سياستهم، والوضع الإقليمي عامة يشهد مراجعات سياسية إن صح التعبير في ما يتعلق بالوضع السوري، وأن فكرة حكومة موسعة سورية تجمع المعارضة المعتدلة والنظام في سوريا بدأت تلوح في الأفق، فمن الطبيعي أن ينتهي دور الشيشاني وكل مَن يحول دون تحقيق هذه الصفقة السياسية الرخيصة التي تأتي على حساب آلاف القتلى وملايين المشردين من السوريين.
لست من معسكر نظرية المؤامرة، ولكن أنا شخص أحترم عقلي ويستفزني أن تحتقر دولة كأميركا بنيت على نسيج من العصابات والمجرمين تاريخياً عقول الإنسانية، وأن تجد جزءاً كبيراً من هذه الأخيرة يعتبرها معياراً للإنسانية والديمقراطية والراعية الرسمية للخير، وهي الفكرة التي تروجها مذ تأسست في شخص باتمان.
أيها السادة، أميركا ليست خارقة حتى تحيك كل هذه المصائب في العالم وبحرفية عالية، ولكن من يعرف التاريخ يعرف أن بلاد العم سام هي مجموعة من العصابات التي تناحرت لوقت طويل ثم نجحت بعد ذلك في إيجاد معادلة صعبة اتفق عليها الجميع وهي "عصابة مقننة"، أو "عصابة في شكل دولة" واستولت على ثروات الإنسانية في محطات عدة، لعل أبرزها الحرب العالمية الأولى، وإلى اليوم ما زالت تحكم العالم بعقليتها العصابية.
أخيراً وليس آخِراً ما حدث البارحة في نيس من قتل وترويع للمدنيين العزل مدان، ولن نستطيع كمسلمين وننتمي لمعشر الإنس إلا أن نشعر بالحزن الشديد والأسى، وأن نتضامن مع عائلات الضحايا مهما كان انتماؤهم، وليعلم الجميع أن ما تسمى داعش هي صناعة أميركية إسرائيلية بالأساس، وغربية أوروبية بالدرجة الثانية، نعم ليست صناعة مباشرة، ولكن هي "sous traitance" ، ووجدت لكي تدمر الأرض والإنسان، ومن يريد أن يلصقها بالإسلام فحتى بلغة الأرقام أكثر الناس تضرراً من داعش وأعمالها، هم المسلمون من مهجرين وقتلى، ومضايقات تلاحق الجالية المسلمة في أوروبا،
ولهذا فمقولة داعش والإسلام واحد هذه خرافة يروج لها خاصة الإعلام الأوروبي، وخطاب الرئيس الفرنسي حول أحداث نيس ليس ببعيد، فلا أفهم كيف لرئيس دولة تدعي العلمانية أن يسمح لنفسه بأن يقول "الإرهاب الإسلامي"، وهو يخاطب شعباً أصبح المسلمون مكوناً أساسياً فيه، ولكن كما يقول الجزائريون "هذا ما كان".
أختم فأقول: نحن إزاء لحظة غروب الإنسانية، وإن سنن الله في الكون تخبرنا بأن أميركا إلى زوال، فالشر والظلم لا يدومان مهما طال الزمن، ولكن حتى ذلك اليوم يجب علينا أن نعلم أبناءنا كيف يكونون أشجاراً تثمر للإنسانية ثمراً ينفعها، لا أن يبقوا حطباً بالياً تستعمله أميركا وغيرها كلما أرادت ذلك.
(رأي صواب يحتمل الخطأ، أو رأي خطأ يحتمل الصواب).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.