كنا قد قلنا في المقال السابق في تعريف الفساد بأنه إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص، وبأنه إساءة استعمال الأدوار أو الموارد العامة للفائدة الخاصة، وبأنه استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع خاصة.
أما ما لم نتكلم عنه هي تلك الرتبة المقلقة التي نحتلها عالمياً في سلم الفساد، وهي الرتبة 80 دولياً و18 عربياً، حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، من مجموع 183 دولة، والغريب في الأمر رغم أن هذه رتبة تعد مقلقة للغاية، وأن الدستور المغربي ينص على ربط المسؤولية بالعقاب، فإننا نجد العديد من الموبقات المتعلقة بالفساد السياسي والمالي لا تجد طريقاً إلى القضاء، وأن المسؤولين عنها لا يزالون يمارسون النشاط السياسي بكل أريحية واطمئنان.
فوزير المالية السابق والحالي الذي بَدَّدَ من أموال الأمة حوالي 90 مليار سنتيم خلال ولايته، وأعطى علاوات دون وجه حق تراوحت بين 75 و300 مليون سنتيم للموظف الواحد، يدخل إلى قبة البرلمان عوض قاعات القضاء، وهو نفس الوزير الذي قام باستغلال راتب دون سند قانوني، بلغت قيمته 80 ألف درهم شهريّاً.
ووزيرة صحة السابقة كان لها أيضاً نصيب، كانت هذه واحدة من جملة الموبقات التي تعج بها ساحة الوطنية، تقرير للجنة تابعة للاتحاد الأوروبي عن مجموعة من الاختلالات الفادحة في صفقات تتعلق بمشاريع مولها الاتحاد الأوروبي.
فقد وجدت اللجنة الأوروبية أن الوزارة قامت بإبرام صفقات ضخمة من أجل اقتناء أجهزة تحاليل طبية وأجهزة كشف بالصدى سيتم تزويد مراكز خاصة بالولادة بها، إلا أن المراقبين اكتشفوا أن تلك الأجهزة هي ذات جودة ضعيفة مقارنة بالثمن الذي تم اقتناؤها به، لكن الفضيحة الحقيقية هي عندما انتقلت اللجنة لمراكز الولادة لتجد أنه لا يوجد أي أثر لتلك التجهيزات في معظم الأماكن التي تمت زيارتها.
أما الوزير الليبرالي الشاب فقد صرف في يوم واحد 34 ألف درهم على الشوكولاتة من حساب خزينة الدولة، احتفاء بمناسبة عقيقة المولود الجديد له.
أما الموبقة الأكبر، والخيانة الأخطر، فقد جاءت من وزيرة البيئة التي تجاوزت كل الاعتبارات الأخلاقية والبيئية والصحية، في استخفاف فج بصحة شعب تعداده أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون نسمة بالداخل، وملايين تنتشر في كل قارات العالم.
كل تلك الفضائح والموبقات السالفة، يمكن غض الطرف عنها رغم بشاعتها، إلا أن كارثة وزيرة البيئة حكيمة الحيطي لا يمكن البتة التساهل معها، إنها تمس كرامة المواطن المغربي في الخارج والداخل، كما أنها تعد عبثاً بالصحة الوطنية وجريمة في حق الأجيال القادمة، وفي حق كل مَن قاوم الاستعمار وكل من ضحى بأمنه ونفسه، لكي نحيا كراماً، ولكي يرفع الاستغلال عنا.
الاستعمار الذي فر تحت رصاصات الأحرار وبدماء آلاف الشهداء مكنته الوزيرة من النيل من صحة أبناء الوطن في مقابل 118 مليون يورو.
فقد كشفت مصادر من وزارة البيئة عن أن الوزيرة المنتدبة للبيئة حكيمة الحيطي وقعت يوم 5 يونيو/حزيران 2016 بروما مع إحدى مافيات تهريب النفايات صفقة سرية لجلب نفايات سامة ومسرطنة عبارة عن مواد بلاستيكية ومطاطية من بقايا عجلات السيارات على مدة 3 أعوام للمغرب مقابل مبلغ يفوق 118 مليون يورو.
نعم لقد وصل الأمر إلى أن تستورد وزيرة البيئة حكيمة الحيطي 2500 طن من النفايات الإيطالية للمغرب، نعم فقد أقول استوردت 2500 طن من النفايات.
لم تستورد وزيرة البيئة زهوراً ولا وروداً ولا أشجاراً ولا حدائق ولا بساتين، إنما استوردت نفايات سامة، إنها مفارقة غريبة وعجيبة، الوزيرة المنوط بها حماية البيئة قررت تدمير البيئة بمن فيها، وكأنها تقول فليمُت الوطن، فليمُت المواطن، فليمُت الجميع، المهم نفسي نفسي، المهم رصيدي البنكي.
نعم إنها موبقة صلعاء وفضيحة نكراء، التي تورطت فيها وزيرة البيئة، التي ادعت في يوم من الأيام أنها تعمل 22 ساعة في اليوم من أجل المغاربة.
والآن وقد ظهر لنا ثمار ذلك العمل، وبرز لنا وجهه القبيح، وغايته غير النبيلة، وطريقته الغبية، وانعدام الشرف فيه ونزاهته، وافتقاره للذكاء والإيمان، والخشية من الله، نقول لك شكر الله سعيك وجعل الجنة مثواكِ.
فلترحلي لقد جلبتِ لنا العار والأمراض، فلترحلي لقد جلبتِ لنا ما سيعبث في جينات أبنائنا جيلاً بعد جيل، فلترحلي لقد جلبتِ لنا النفايات السامة المسرطنة، عوض الحدائق والبساتين، فلترحلي لقد جلبتِ لنا السموم والأوبئة عوض الورود والزهور، لقد جلبتِ لنا فضيحة لا يكفي الزمان لمحوها، والاعتذار الوحيد الذي قد يقبل، هو أن تحجزي تذكرة إلى مافيات طليان، فإننا نشك في وطنيتك وقد كفرنا بشرعيتك ومشروعيتك، لقد ارتكبتِ خيانة لله وللشعب وللوطن وللأجيال القادمة.
سيادة الوزيرة حكيمة الحيطي تمتاز إدارة سيادتكم بالغباء، بلا عقلانية، أو قل بالجنون، سيادتكم أعجز من أن تدير قسماً في مدرسة وليست وزارة، سعادة الوزيرة لقد فقدتِ الشرعية والمشروعية، فلترحلي، لكي لا يشمل تهورك وغباؤك السياسي كل أفراد الحكومة.
لقد ضاق بنا الوطن، وبدأنا نفقد الثقة فيه، يجب تفعيل المبدأ الدستوري الذي ينص على ربط المسؤولية بالعقاب، يجب أن نقول للمحسن أحسنت، وللمسيئ أسأت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.