المشروع العلماني بالمغرب.. كم هو رشيد؟!

لذا أقول لمن يتبنى المنهج العلماني من هؤلاء المثقفين: إن العلمانية ومنظومتها الفكرية والقيمية إن وجدت غريبة عن المجتمع المغربي، وإن المبشرين بها غرباء عنه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/11 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/11 الساعة 06:41 بتوقيت غرينتش

لم يبزغ اسم جان جاك رسو، وما كان له أن يصبح من رموز الفكر الإنساني، إلا عندما ارتبط اسمه بمفاهيم كالسيادة، والقانون، والحق، والعدل، والدولة المواطن، والدستور، ولم يخلَّد اسم زولا إلا لما اقترن بقضية دريفوس.

وكذلك الأمر مع فولتير، فهو يتمتع بمكانة خاصة؛ لأنه وقف إلى جانب قضايا إنسانية، انطلاقاً من الفكرة التي كوَّنها عن العدالة، وخاصة قضية كالاس.

وهذا هو الأمر بنسبة لكارل ماركس، لم يرفع إلى مصاف الأنبياء بسبب علمه، وإن كان له دور كبير، ولكن بلغ ما بلغ لأنه وقف إلى جانب الطبقة العمالية في وجه ديكتاتورية برجوازية، وهذا ينطبق أيضاً بالنسبة لفيكتور هوغو، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي.

كل هؤلاء حصلوا على شهادة من الإنسانية؛ لأنهم وضعوا أقلامهم في خدمة مَن لا قلم له، ما كان لهؤلاء الفلاسفة والمصلحين أن يكونوا رسلاً للإنسانية، وأن يملكوا قلوب البشر جيلاً بعد جيلاً، إلا عندما نزلوا من أبراجهم العالية إلى هموم شعب.

وهذا درس أول لم تستوعبه بعد النخبة العلمانية بالمغرب؛ فلنا أن نسأل ماذا تعني الحرية الجنسية، أو الإجهاض، أو دعوة إلى رفع تجريم شرب الخمر، أو فرنسة لغة العربية التي هي لغة الأم للمغاربة بجانب الأمازيغية؟

بالنسبة لثلاثة وثلاثين مليون مغربي، منهم أربعة ملايين فقير وثمانية ملايين عانس، و600 ألف يتعاطون المخدرات، وخمسون ألف طفل مشردون في الشوارع، وأكثر من مليون وربع المليون عاطل، و23 ألف حالة طلاق سجلت العام الماضي بارتفاع معدله 11%، وفيهم كذلك 29 ألف حالة مصابة بفيرس "سي"، وتسعة عشر ألفاً ممتهنة للدعارة في أربع مدن فقط، ولائحة الأمراض الاجتماعية التي تنهك جسد الأمة طويلة وطويلة.

فبدلاً من أن يترفعوا عن دوافعهم النفسية وينزلوا إلى قلب الشارع ويناقشوا المشاكل والأمراض التي تؤرق حياة شريحة كبيرة منهم، نجدهم يسقطون رغباتهم المكبوتة وقضاياهم المستوردة من المجتمعات الغربية والمجتمع الفرنسي خاصة.

ويأتي ذلك في إطار انحراف واضح عن الدور المنوط بهم، الذي باسمه يستبيحون المال العام، فعوضاً عن توعية المجتمع وتأطيره ونشر العلم وتعميمه، نجدهم يروجون المخدرات الفكرية ويسرقون وقت شعب إضافة إلى أموال دافعي الضرائب.

ودرس ثانٍ لم يستوعبه هؤلاء، هو أنه من لا قضية له، لا شعب في صفه، ومن دخل إلى ملعب سياسة بلا شعب ليس أمامه خيار إلا أن يكون مرتزقاً سياسياً، في أحسن أحواله مفعولاً به، تابعاً لا متبوع، يُستعمل كراية حمراء لتشتيت انتباه الشعب، وهذا لسان الحال.

فبينما هذه الكتلة تثير قضايا غريبة عن المجتمع المغربي خارج دائرة اهتماماته لا تشغل أي حيز في إطاره الفكري، نرى أن هناك سياسات اقتصادية واجتماعية كبيرة تمرر على حين غفلة، مما يعري الدور الذي تلعبه هذه الأخيرة تحت ادعاء الحداثة والتقدم والحرية والمساواة، مما يطرح علامات استفهام كبيرة عن الدور الذي ندبت نفسها له.

أما الدرس الثالث الذي لم تستوعبه هذه الشريحة من المثقفين المزيفين، فهو ذلك القانون التاريخي الذي يقول على لسان مالكم إكس: "قد تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".

لذا أقول لمن يتبنى المنهج العلماني من هؤلاء المثقفين: إن العلمانية ومنظومتها الفكرية والقيمية إن وجدت غريبة عن المجتمع المغربي، وإن المبشرين بها غرباء عنه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد