يرى خبراء أن مشاركة بريطانيا المثيرة للجدل في الحرب بالعراق عام 2003 أثارت شعوراً عميقاً بالتوجّس من عمليات التدخل العسكري مازال يؤثر اليوم على السياسة الخارجية للبريطانيين.
هذه الحرب التي أفضت الى مقتل مئات الآلاف من العراقيين، تركت ندوباً عميقة على ضفتي المحيط الأطلسي. وقال مالكولم تشالمرز، من مركز "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" (آر يو اس آي) إن هذه الحرب "أعادت تعريف السياسة الأمنية البريطانية".
وأضاف "يمكن أن تنسب تحفظات الحكومة البريطانية على إرسال قوات برية الى ليبيا أو سوريا الى (حرب) العراق".
وكانت مشاركة المملكة المتحدة في هذا النزاع الى جانب الأميركيين درست بدقة في التقرير الذي نشرته الأربعاء 6 يوليو/تموز 2016، بعد بحث استمر 7سنوات، لجنة شيلكوت التي تحمل اسم رئيسها جون شيلكوت.
وشاركت بريطانيا في فرض منطقة للحظر الجوي برعاية حلف شمال الأطلسي خلال الانتفاضة على معمر القذافي في 2011. لكن هذه المهمة كانت محدودة.
ويشن البريطانيون حالياً عمليات قصف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، لكن البرلمان عارض في 2013 توجيه ضربات جوية الى نظام بشار الأسد.
وقالت جين كينينمونت، من المركز الفكري "شاتهام هاوس"، إن "النقاش الذي جرى حينذاك في البرلمان البريطاني هيمن عليه العراق بالكامل". وأضافت "حتى في 2005 وفي أوج عمليات التطهير الإتني في دارفور، كان من الصعب الدفاع عن عملية تدخل إنساني".
وكانت بريطانيا بررت تدخلها في العراق بوجود أسلحة للدمار الشامل. لكن بعد الإخفاق في العثور على أي من هذه الأسلحة، أصبح الهدف صدام حسين أو تخليص شعب من ديكتاتور.
صرحت جين كينينمونت بأن هذه الحرب "جعلت الرأي العام يشكك بعمق في عمليات التدخل العسكرية خصوصاً العمليات التي تقدم على أنها إنسانية".
"فراغ" في السياسة الخارجية
قالت جين كينينمونت: "شهدنا الأمر نفسه في الولايات المتحدة"، مشيرة الى أن "الانسحاب الأميركي من التزاماتهم العسكرية في الشرق الأوسط تحول الى حجة رئيسية في حملة" باراك أوباما الرئاسية في 2008.
وأوضحت أن البريطانيين وبدلاً من التدخل بشكل مباشر، أصبحوا يعملون أكثر مع القوى في المنطقة مثل الأردن ودول الخليج. وأضافت "لكن المشكلة هي أن هذه القوى ليست قوية جداً دائماً".
ورأى جون بيو، من جامعة "كينغز كوليدج" في لندن، أن حرب العراق أدت الى وضع من "اللاسياسة" حيال سوريا ولسنوات من قبل البريطانيين.
وأضاف: "توقفنا عن التفكير بجدية في وسائل خفض العنف وإحلال الاستقرار في المنطقة والعمل لإقامة ممرات إنسانية وممارسة مزيد من الضغط الدبلوماسي على نظام الأسد".
ويأمل المركز الفكري للمحافظين الجدد "هنري جاكسون سوسايتي" في ألا يؤدي نشر تقرير شالكوت الى مزيد من الكبح في السياسة الخارجية.
وقال آلان ميندوزا، المسؤول في المعهد: "كما يحدث في كل نزاع، هناك عدد الأخطاء والدروس التي يجب استخلاصها".
وأضاف "يجب ألا نستخلص أن كل عمليات التدخل سلبية أو أننا سنكون مسؤولين بشكل ما عن كل التغييرات الكبيرة التي تهز الشرق الأوسط".
وتابع ميندوزا أن نشر تقرير شالكوت يجب أن يسمح بتحسين اتخاذ القرار بمعايير تحليلية أكثر صرامة، لكن شرط ألا يؤدي ذلك الى جمود سيشكل برأيه "خطأ مميتاً للأمن البريطاني".