ثلاثة دروس بعد ثلاث سنوات من حكم الانقلاب العسكري

أما الدرس الثاني الذي تعلمناه فهو أن الموجات الثورية التي عصفت بنصف الأنظمة العربية خلال سنة 2011 موجات حقيقية، وتأكيد لمسار التاريخ الذي لن تقف بعض المؤامرات ضده، إن تلك الثورات تعد اليوم في نظر الباحثين المطلعين على تاريخ الثورات السياسية موجات ثورية حقيقية، ومؤشراً مؤكداً على أن البركان الذي كان نشطاً في العمق انفجر وفجر معه كثيراً من الحكومات العائلية الفاسدة، وهو درس وإن لم يكن في حاجة لكل هذا الوقت ليُتَعَلم، إلا أنه في حاجة لتأكيدات مستمرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/03 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/03 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش

في 3 يوليو/تموز 2016 تكون قد مرت ثلاث سنوات على الانقلاب العسكري الذي نفذته الثورة المضادة في مصر، البلد الذي يعتبر قلب العالم العربي، كما قال المفكر الإيراني/الأميركي المعاصر حميد دباشي. إنها فترة كافية لتقييم سياسة مواجهة الموجات الثورية بالانقلابات العسكرية، في محاولة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء من طرف الأنظمة القديمة.

تكون الثورة خاطفة وعنيفة، وتكون الثورة المضادة خاطفة وعنيفة وعنيدة وإجرامية، أما "الصراع على السيادة" في داخل البلدان الثورية ومن خارجها فيكون عنيفاً وإجرامياً ومدمراً وبلا رحمة، وغالباً من دون تخطيط في أجواء من الخيانة الوطنية والعمالة والاحتلال الأجنبي! فبلد أنهكه الاستبداد والثورة والثورة المضادة يكون محط أطماع الأجانب، فيغرسون فيه سكاكينهم ويقطعونه إرباً إرباً، تحت عناوين مختلفة ومن أجل مصالحهم الشخصية!

في أجواء مثل هذه، انقض العسكريون على الحكم مرة أخرى في مصر، لوأد الثورة في العمق، بمبرر حماية الدولة من الانهيار، وهو مبرر واهٍ؛ لأن الدولة في هذه المجتمعات في أسوأ وأحط مراحلها؛ وهي مرحلة التفسخ والتفكك، إذ لو لم تكن الدولة متفسخة ومتكلسة وغير قادرة على التحرك وحل المعضلات الاجتماعية لما كانت لقمة سائغة أمام الثورات السلمية التي أسقطت الأنظمة العربية واحداً تلو الآخر في أسابيع قليلة فقط.

لقي هذا الانقلاب العسكري دعماً من طرف قوى النفوذ الداخلية التي خسرت مواقعها القديمة بسبب الثورة، ودعماً خارجياً من طرف قوى النفوذ الخارجية التي تريد أن تحافظ على مصالحها بأي ثمن كان، كما لقي دعماً سخياً من طرف الأنظمة العربية التي فضلت أن تطفئ النيران في بيوت جيرانها كي لا تفاجئها في بيوتها الهشة هي نفسها، وتنوّع الدعم بين التشجيع والتحريض والتمويل والتزام الهدوء والصمت.

غداة الانقلاب العسكري ظهرت جوقة من الأقلام والمنابر لتدافع عن الحركة الجديدة باعتبارها تصحيحاً لـ"ثورة 25 يناير/كانون الثاني"، فيما دافع عنها آخرون باعتبارها "ثورة 30 يونيو/حزيران" جديدة، ورأى فيها طرف ثالث إفشالاً لمخطط أجنبي يستهدف استقرار العالم العربي. إن اختفاء جزء كبير من هذه الجوقة اليوم يعد مشهداً من مشاهد مسرحية فشل الثورات المضادة، إذ يشكل غياب مَن يدافع عنها بالأقلام والأفكار فشلاً ذريعاً لها ودليلاً على عدم قدرتها على الصمود خلال أشهر وسنوات قليلة قادمة.

أما مشهد الفشل الثاني من مشاهد الفشل الكثيرة في هذه المسرحية الفاشية والمعادية لروح الشعوب ورغبتها في التحرر، فيتجلى في انحسار الحلول العسكرية في كل البلدان التي جربت وطبقت فيها؛ ففي سوريا، التي كان ديكتاتورها من أوائل من رحبوا بالانقلاب العسكري في مصر ولا غرابة في ذلك، لم تنجح عسكرة الثورة في إرهاب الشعب ولا في تركيعه كما حدث قبل ذلك عدة مرات في ظل حكم أبي الديكتاتور الحالي
، وفي ليبيا فشلت جهود الجنرال الليبي خليفة حفتر رغم كل الدعم في القبض على كرسي الحكم. وهكذا تبين إلى أي حد أخطأ أقطاب الثورات المضادة لثورات 2011، التي كانت تعتقد أن تلك الموجات الثورية لم تكن سوى سحابة صيف عابرة كما كانوا يتوقعون حسب قراءاتهم الخاطئة لمسار التاريخ.

إن فشل الانقلاب العسكري في إدارة الدولة المصرية كابوس حقيقي لأقطاب الثورات المضادة، وهم لا يزالون يراهنون على توفير الدعم المادي لتفادي انهياره، بعدما تبين أن السند الشعبي اختفى تماماً لقائد الانقلاب العسكري، الذي لا يشكل في الواقع إلا نسخة باهتة من الأنظمة العسكرتارية العربية القديمة، التي حكمت لستة عقود كاملة في غياب مؤسسات حكم القانون، عن طريق قمع الحريات وإلغاء الانتخابات وقوانين الطوارئ والسجون والاغتيالات السياسية، إنها كلها أشياء موجودة اليوم في مصر، وربما بمستويات مرتفعة، في دليل حي على أن من قامت الثورة بالإطاحة بحكمهم لن نعالج مشكلات شعوبهم بالمزيد من الحلول السيئة التي طبقوها قديما، إن فشل الثورات المضادة وانحسارها هو الدرس الأول التي استفدناه من تبعات الانقلاب العسكري.

أما الدرس الثاني الذي تعلمناه فهو أن الموجات الثورية التي عصفت بنصف الأنظمة العربية خلال سنة 2011 موجات حقيقية، وتأكيد لمسار التاريخ الذي لن تقف بعض المؤامرات ضده، إن تلك الثورات تعد اليوم في نظر الباحثين المطلعين على تاريخ الثورات السياسية موجات ثورية حقيقية، ومؤشراً مؤكداً على أن البركان الذي كان نشطاً في العمق انفجر وفجر معه كثيراً من الحكومات العائلية الفاسدة، وهو درس وإن لم يكن في حاجة لكل هذا الوقت ليُتَعَلم، إلا أنه في حاجة لتأكيدات مستمرة.

من هذين الدرسين يمكننا أن نستنتج درسا ثالثاً؛ ما لم تنجح هذه المجتمعات في وضع قواعد مؤسسية حديثة وديمقراطية وحرة بطريقة أو بأخرى، فإن موجات ثورية قادمة تعد شيئاً مؤكداً، وبما أن الأنظمة القديمة تقاوم كي تستمر في الحكم وفي الاستئثار به، فإن الرد الشعبي سيكون قاسياً وشاملاً ومؤكداً.

إنها إذن ثلاثة دروس بسيطة، لكن ربما هي دروس بليغة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد