إن الفرضية التي ننطلق منها في اختيارنا لهذا الموضوع تقوم على الغياب المطلق للتنمية في مناطق جبالة بشكل عام، وبني زروال بشكل خاص (ونعني بها القبائل الجبلية الشهيرة بشمال المغرب: بني إبراهيم وبني مكة وبني ملول وبوبعان وأولاد قاسم)، وإقصاء الحكومة لهذا الوطن الزروالي الجريح من مغرب القرن الواحد والعشرين رغم ما يحتوي عليه من رأسمال بشري وموارد طبيعية ومؤسسات. وما يؤسس لهذا القول هو وجود مجموعة من الشهادات الحية والأبحاث الرصينة حول واقع هؤلاء المغاربة الذين تم نسيانهم بشكل ممنهج منذ عهد الحماية، وتم التعامل معهم دائما ك "رباعة" و"خماسة" وفلاحين مدافعين على العرش وكجنود مدافعين على الحدود.
وبغض النظر عن الأحداث والواقع التي سكنت مناطق جبالة بني زروال، وما لعبته السلطة المخزية من أدوار لتكريس مشروعيتها، وما عرفته المنطقة من نزاعات قبلية، ولأن المقام لا يتسع للنبش في جذور تعامل دولة ما بعد الاستعمار مع مطالب جماهير المنطقة التي انتهت بعزلهم عن الدولة المركزية وعن الديناميكية الدولية التي استفادت منها العديد من المناطق المغربية، فإن الاهتمام اليوم بهذا الموضوع يجعلنا نكتشف من جديد بؤس وشقاء سكان هذه المناطق وكأن التاريخ لم يتحرك من مكانه وعجلاته مقفلة!
وفي مقابل، هذه الإضاءة التي يزودنا بها، من هناك، واقع الطرق والتعليم والتطبيب والسكن والدخل الفردي والهشاشة والاستبعاد الاجتماعي والفقر.. كان المفروض أن تؤدي المسارات الصعبة لهذه المناطق المنسية من السياسات الحكومة والمقصية من حقها في الثروة ومن التعبير عن طموحاتها الحياتية، إلى إدراك خطورة هذه القنبلة الاجتماعية القابلة للانفجار في وجهنا جميعاً في أي حين، خاصة أن البطالة وسوء التدبير والتسيير الإداري وغياب الحماية الاجتماعية واستخدام العنف لكبح المطالبين بالبديل عن زراعة القنب الهندي، وتكديس الثروات والموارد في يد أقلية مقربة من دوائر أصحاب النفوذ، كلها عوامل تذكرنا بالأصول التاريخية لمعارك الهروب من الجحيم وإشعال نار العنف والاحتجاج من أجل المطالبة بتوفير الأمن والعدالة وفرص العمل والحد من تلاعب المؤسسات بالمصالح الحيوية للمواطنات والمواطنين.
إن قوة ملاحظتنا المدعمة باطلاعنا النظري المتواضع، تسمح لنا بإثارة الانتباه إلى الوضع الاجتماعي الكارثي لمناطق جبالة بني زروال ولسكانها المهددين بهجرة جماعية بحثاً عن نقطة انطلاق نحو تنمية شاملة ومؤسسات دامجة، بعيداً عن الحكرة والعزلة والجمود والعداوة والنزاعات.
ذلك أن قبيلة بني زروال فقدت تاريخها التجاري الذي كان يربطها بفاس، وبريقها العلمي النابع من كلية القرويين، وجغرافيتها الاقتصادية الشهيرة بأشجار البلوط والتشت والدلم وبزيتونها وعنبها وتينها وبرتقالها، وبسهولها المعروفة بزراعة القمح والشعير والحلبة والذرة والفول والخضر السقوية وتربية الماشية، وغاباتها التي يسكنها الخنزير البري والذئب والثعلب والقنفذ والأرانب وطيور الحجل والحمام.
وبالرجوع إلى تعامل ملوك الدول الإسلامية بالمغرب مع جبالة بني زروال، تشير المراجع التاريخية (البكري والإدريس ولحسن الوزان "ليون الإفريقي" وابن خلدون وغيرهم) إلى الرعاية والاعتناء بأهل وسكان هذه المناطق المعروفة بنبذها للخرافات والأوهام والشعوذة والطائفية واستغلال الدين بالأضرحة ومواسم الأولياء، من دون أن ننسى مشاركتهم في كل عمليات تحرير أقاليم شمال المملكة بعد انطلاق المقاومة المغربية ضد السلطات الاستعمارية، ومشاركتهم في استقرار مغرب ما بعد الاستقلال.
من هنا كان الكلام اليوم عن جبالة بني زروال مبعث اعتزاز وفخر ودعوة للمسؤولين ولكل المتشككين في وطنية هؤلاء المغاربة، أن يفتحوا قنوات التنمية للمنطقة لتجنب الكوارث التي ألمت بالشعب المغربي من تشريد وتهجير وتصفية لكثير من المناطق المقاومة للذل والاستبداد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.