مساجد السُّنة في العراق.. لا أذان يرفع لها عام 2020

في العراق، أدركت أميركا وحلفاؤها منذ عام 2003 أن مساجد أهل السنة ومنابرها ستكون مصدر خطر يتهدد وجودها، ويحرض ضد مصالحها في المنطقة، ولهذا سعت لإيجاد السبل الكفيلة للتخلص منها

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/24 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/24 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

حينما تتحول تظاهرات داخل محيط مسجد من نشاطات شعبية بسيطة إلى انتفاضات، ومن ثم ثورات بعضها سلمية والأخرى مسلحة، غيَّرت مسار الأحداث، كما هو الحال في العراق وتونس وسوريا واليمن وبنغازي ومصر، سندرك عندها أن المحرك الأساس كان وما زال المسجد.

فمنذ النشأة الأولى للدولة المدنية الإسلامية قبل أكثر من 1400 عام وحتى اليوم، كان المسجد نواة لرسم الأطر العامة للمجتمع من الناحية التثقيفية والتربوية، ولطالما استلهمت القوى على مر العصور مقومات دعواتها انطلاقاً من مؤسسات دينية.

وليس ببعيد، فعندما انتفضت شعوب أوروبا الشرقية ضد أنظمتها السياسية، كان للدين دور ملحوظ في تعبئة مشاعر الجماهير، ففي بولندا لعبت الكنيسة دوراً كبيراً في مساندة نقابة التضامن البولندية حتى أصبح "مون سنيور غليم" رئيس كنيسة عموم بولندا يتمتع بشعبية كبيرة ساهمت في تحقيق التغيير المنشود.

وفي العراق، أدركت أميركا وحلفاؤها منذ عام 2003 أن مساجد أهل السنة ومنابرها ستكون مصدر خطر يتهدد وجودها، ويحرض ضد مصالحها في المنطقة، ولهذا سعت لإيجاد السبل الكفيلة للتخلص منها دون أن تتدخل بشكل مباشر يثير حفيظة دول إقليمية كانت داعمة للغزو الأميركي، فضلاً عن عدم رغبتها في إحراج تكتلات وأحزاب سنية شاركت في العملية السياسية بعد نظام صدام حسين، فلجأت لافتعال ظروف زمانية ومكانية أتاحت فرصة إحداث صراع مذهبي تسبب في تدمير وحرق ومصادرة مئات المساجد وفق مبدأ "الفعل ورد الفعل".

التوجه الأميركي تجلى عبر تقرير صدر عام 2007 عن مؤسسة "RAND" التابعة للقوات الجوية الأميركية، الذي تضمن دراسة شاملة حول المسلمين، شارك في إعداده أربعة باحثين هم "شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتر وبتر سكيل"، ومن أخطر بنود التقرير كانت فقرة "احذروا دور المسجد"؛ حيث عدها ساحات وحيدة للمعارضة على أسس الشريعة، وكان من الوضوح غزارة الألغام ضمن التقرير الذي ركز على ما سمَّاه "علمنة الإسلام"، كما أشار إلى أن "الهدف ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، وإنما بين العالم الإسلامي بعضه بعضاً،" أي ضرب الإسلام والمسلمين من الداخل على غرار تجربة ضرب الشيوعية.

ما أورده تقرير "RAND" جاء مصداقاً لما أورده "مايكل هدسون" الباحث الأميركي في جامعة جورج تاون؛ حيث قال إن احتلال العراق كان له أهداف غير معلنة، كاشفاً عن مساعٍ لتفكيك السلطة المركزية السنية وإحالتها للشيعة والأكراد بشكل ملحوظ.

وهو تصريح جاء متوافقاً أيضاً مع ما قاله "دينيس روس"، مستشار الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتناقلته العديد من الوكالات؛ حيث أكد وجوب دعم الأحزاب الشيعية لكونها قوى لا تمثل خطراً على الولايات المتحدة على العكس من السنة الذين قال إنهم على استعداد لعبور القارات وقتلنا في ديارنا، محذراً من المؤسسات الدينية السنية بأسلوب لم يخلُ من التحريض.

يوجد في العراق نحو 7 آلاف مسجد مسجلة باسم الوقف السني، فضلاً عن آلاف أخرى أهلية، وفي بغداد وحدها يوجد قرابة 3500 جامع موزعة على جانبي الكرخ والرصافة، فيما تناقص هذا العدد بشكل كبير على مدار الثلاثة عشر عاماً الماضية، منها ما تم سلبه أو تدميره بقوة السلاح من قِبل ميليشيات مرتبطة بأحزاب حكومية، ومنها ما تمت مصادرته بشكل رسمي عبر تشريع قانون يحمل الرقم 19 لسنة 2005 والذي يقضي بتحويل بعض أوقاف السنة إلى الوقف الشيعي.

ففي السنوات الثلاث الأولى للاحتلال بلغ عدد المساجد التي تضررت بقصف أميركي خلال مواجهات مع المسلحين "المقاومة العراقية" نحو 182 مسجداً، فيما قتل حوالي 300 إمام وخطيب واعتقل مئات آخرين.

وفي عام 2006 وبعد حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء في محافظة صلاح الدين، فقد تم الاعتداء على 168 مسجداً خلال يومَي الأربعاء والخميس الموافقين 22-23/2/2006 من قِبل الميليشيات، حيث أحرقت 38 مسجداً بالكامل، فيما دمرت خمسة أخرى نسفاً و74 تم قصفها بقذائف الهاون، كما أغلق ما يقارب الأربعين منها، وكانت هذه الهجمات منظمة ومعداً لها مسبقاً كما أكد ذلك تقرير لجنة مساعدة العراق التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 28 /2/ 2006، إذ ذكر في الفقرة السابعة أن "عشرات المساجد تعرضت لاعتداءات وتدمير وتخريب، وكان العديد من أئمة المساجد من بين الذين تعرضوا للاغتيال، فيما أكد التقرير أن هذه الاعتداءات لم تكن عشوائية، بل العكس، فقد كشف عن وجود درجة عالية من التنظيم".

ولم تتوقف عمليات التطهير والاستهداف، فبحسب تقارير وثقتها منظمات ومؤسسات عدة، ومنها هيئة علماء المسلمين ولجان الحراك الشعبي، فقد ازدادت وتيرة الهجمات خلال العام 2012 وبالتزامن مع انطلاق التظاهرات والاعتصامات ضمن ما أطلق عليها بالمحافظات المنتفضة ضد سياسات التهميش والإقصاء التي كانت تتبعها حكومات بغداد.

فمع كل يوم جمعة تتخللها تظاهرات مؤيدة للاعتصامات، كان يتم استهداف عدد من المساجد، كما حصل يوم 24 /4/ 2013؛ إذ هاجمت قوات سوات "جهاز مكافحة الإرهاب" ستة مساجد وعشرات البيوت في قرية "سليمان بيك" التابعة لقضاء طوز خورماتو في محافظة صلاح الدين، كما تشير تقارير إلى استهداف أكثر من 30 مسجداً في الرمادي، و28 مسجداً في مدينة الفلوجة في نفس العام، فضلاً عن تفجير 7 مساجد في ناحية الكرمة جنوبي الفلوجة خلال عمليات وصفت بالانتقامية والطائفية واكبت المعارك لاستعادة السيطرة على المدينة في يونيو/حزيران عام 2016، كما هوجمت 15 مسجداً في مدن حزام بغداد، و42 مسجداً في بابل، لا سيما شمالها، لتتجدد الهجمات عام 2016 بعد إعدام المملكة السعودية لرجل الدين نمر النمر؛ حيث أحرقت الميليشيات ثلاثة مساجد أخرى شمال المحافظة ورابعاً في مركزها بمدينة الحلة.

وإلى الجنوب منها وتحديداً البصرة ثالث أكبر محافظات العراق، فقد تناقصت نسبه السنة فيها من 37% إلى أقل من 15% بعد عمليات اغتيال منظمة لعدد من المشايخ هناك، ما دفع بمديرية أوقاف البصرة للإعلان عن إغلاق مساجدها أكثر من مرة احتجاجاً على ما وصف بالخروقات الأمنية التي تستهدف أهل السنه والجماعة.

أما في ذي قار شمال شرق البصرة، فقد نزحت عن هذه المحافظة قبائل عربية عاشت لقرون هناك، ومنها عشيرة آل السعدون التي قتل عدد من كبار رموزها، لتترك خلفها مساجد خاوية لا يرفع فيها الأذان.

أما في محافظة ديالى المتاخمة لإيران، فهي أكثر مناطق العراق تعرضاً لعمليات تغيير ديمغرافي ممنهج، فقد تمت مهاجمة أكثر من 141 مسجداً موزعة على مناطق بعقوبة وكفري وبلدروز وخانقين والخالص والمقدادية التي قيل إن صوت الأذان ما عاد يسمع فيها بعد نسف جميع مساجدها.

ومن خلال معادلة حسابية بسيطة وبعد توثيق عدد المساجد التي دمرت وأحرقت أو تمت مصادرتها خلال عقد واحد من الزمان، سنستنتج بأن لا مساجد ستكون عامرة بمصليها عام 2020 إن استمر الحال على ما هو عليه اليوم من خلال إطلاق وصف مساجد الضرار على جوامع أهل السنة، خاصة أن حكومة بغداد لم تتخذ أي خطوات أو إجراءات جادة وحازمة تحد من عمليات الاستهداف المنظم، فالأمر يسير بنهج تتابعي خاصة حين يصدر تصريح شبه تحريضي من أعلى مؤسسة أمنية حكومية، حيث نقلت صحيفة البرلمان في عددها الصادر يوم 6/7/ 2005، ما قاله وزير الدفاع سعدون الدليمي آنذاك والمقرب من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ حيث أجاب حول استفسار بخصوص كثرة استهداف المساجد، فأجاب قائلاً: "بأنه أمام معسكرات حربية ينبغي مهاجمتها لا أمام مساجد".

استهداف المساجد في العراق بهذا العدد الكبير، يوحي بأنها أعمال ليست عشوائية أو عفوية، ما يستدعي لتدخل دولي لطالما صدّع رؤوسنا وهو يستنكر ويدين تدمير تماثيل وأصنام لبوذا، خاصة أن الفقرة (أ) من القاعدة 40 من قواعد القانون الدولي الإنساني تنص على حظر الاستيلاء على المؤسسات المخصصة لأغراض دينية، أو تدميرها، أو الإضرار بها بصورة متعمدة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد