نفسياً يمكنكِ تحويل آلام الولادة إلى متعة!

فيما يتعلّق بظاهرة الولادة، فهي لا تزال ضمن الظواهر التي تتلبّسها التصورات المسبقة بما تولّده من استعدادات نفسية، وهي استعدادات كانت لتختلف دون تلك التصوّرات النمطية. قد تختلف التجربة (أياً كانت)، أو تتغيّر حسب تغيّر مفاهيمنا عنها.. ذلك ما سعت له هذه الاهتمامات والتجارب (وغيرها كثير) المعروضة هنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/27 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/27 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

تدقيق: رزق

"بالوجع تلدين" لم تعد هذه العبارة المذكورة بسفر التكوين من العهد القديم ذات دلالة بالنسبة لبعض الدراسات المهتمة بحالة النساء أثناء الولادة.. سيطرت الكتابات المقدسة القديمة بمفاهيمها حول الجسد البشري وسلوكاته الانفعالية على مجمل تاريخ المخيلة البشرية.. غير أن توالي الكشوفات الطبية/العلمية أعاد صياغة الرؤية الدينية نحو رؤية أكثر موضوعية: والموضوعية أنفع.

سبق وطالعتُ هذا الموضوع الذي يشمل استشهادات واقعية وتجارب في مساعدة النساء على جعل تجربة الولادة أكثر متعة، فبالنسبة لهذه البحوث: الوضع أمر طبيعي، والفرج الذي ينزل منه الطفل، هو بالأصل جانب متعوي في الجسد الأنثوي.. من هنا يمكن صياغة هذا المعطى انفعالياً: توليد المتعة من الخلال الوضع -وإن كان رأس الرضيع كبيراً نوعاً ما، فإن الفرج مزوّد بآلية لتقبّل الحالة، وإلاّ لكانت النساء يبضن!

هناك تقارير عديدة تتطرق لهذا الموضوع، بما تعرضه من حالات متعددة.. يبدو المعطى مفاجئاً وغير منطقي! لكن يجب أن ندرك مبدئياً أن تعزيز الألم بالولادة (بالنساء عموماً): هي رؤية تاريخ ولاهوتية تنطلق من تجريم المرأة – المرأة صديقة الشيطان، وكائن مغوٍ (قصة الخلق)، بالتالي يدخل الألم في منظومتها الفيزيولوجية لردعها، أو كعقاب طبيعي وإلهي لنزعاتها الآثمة!

يذهب بعض المفسرين الحمقى إلى ربط آلام الولادة بالأمومة: أي أن جوهر تعلّق الأم بطفلها عائد إلى تألّمها منه عند خروجه منها! تعلّق الأم بطفلها عائد لارتباطات عصبية عاطفية (بالغالب هي توقُّعية الطابع: فكل أُم تنتظر صغيرها بشوق).. الأكثر من ذلك كم من أم تتعلّق بطفلها رغم أنها لم تلده، بالتبنّي أو بالتربية.. وهناك الارتباط (الشبيه) الخاص عند البعض بـ"الدادا" (على سبيل المثال)، فالتعلّق العاطفي كوني الطابع، وربما تفقد المرأة ارتباطها بطفلها بفقدانها ذاكرتها!

قبل ثلاث سنوات عندما وضعت المغنية والكاتبة إيلينا سكوكو (1) طفلتها، شعرت بالألم، غير أنها شعرت كذلك بتدفقات من المتعة أقرب للنشوة. بيري كوميساروك، أستاذ علم النفس بجامعة روتغرز بنيوجيرسي، يرى أن التحفيز المكثف لقناة المهبل أثناء الولادة يوقف الألم، سواء تم لمس هذا التحفيز كشعور جنسي أو لا، غير أنه لا يذهب حد تعميم الحالة، حيث تختلف النساء، فيمن تشعر بالمتعة، وفيمن تجد تحفّظاً من جهة الجنس، وفيمن لا تتقبّل ربط المشاعر الجنسية مع حالة الوضع، إضافة للفروق التشريحية! بالنسبة لديبرا باسكالي بونارو التي أخرجت فيلماً وثائقياً حول نفس الموضوع (وساهمت في ترويج الفكرة)، فالمُهم هو إتاحة الخيارات والدعم للنساء لجعل تجربة الولادة لحظات من المتعة والسعادة، تستشعرها المرأة خلال الوضع.

آمبر هارتنل (2) تصف ولادتها وتقول "كانت تتدفق فيّ هذه الموجات وأنا أضحك وأبكي. لم أشعر بأن لدي تقلصات، كانت أقرب للتدفقات. بالواقع لم أعش تجربة ألم، إنما أحاسيس مكثّفة.. نشوة غامرة.. كأنها حركة نشطة تتخلّلني".

قامت هارتنل بعولمة تجربتها عبر تصوير ولادتها ضمن وثائقي، فتعميم تجربتها من وجهة نظرها "يمكن أن تساعد نساء أخريات للتغلب على مخاوفهن وعيش تجربة جميلة عند الولادة". لكن ذلك لا يمنع البعض من التشبث بمعطى الألم عند الولادة، كحمولة نفسية تعلي من قيمة التجربة وتضفي عليها الصدق والهيبة والأهمية، أو حتى التكتم عن المتعة كعَرَض جانبي بالولادة: فليس من المقبول والعادة أن تأتي الواحدة وتقول "لقد شعرت بالإثارة"!

شيلا كامارا هاي (3)، كاتبة وصفت أنها لمست متعة الولادة عند وضعها لمولودها الثاني: "بدأتُ الشعور بهزّة الجماع وكان الأمر.. يا إلهي! أهذا جِدّي؟ .. ثم غاب ذلك الشعور. لكن رأيتُ أنه ممكن، ففكّرت، لما لم أعلم عن هذا سابقاً؟". تقول أخرى منتقدةً هذا الوصف: "المرأة تهذي، لقد وَلدتُ ولادة طبيعة، تألم كالجحيم. كانت بدائية ومذهلة من عدة جوانب، غير أني كنت منحنية على يديّ وركبتيّ أتقيأ بالحمام عند نقطة واحدة. لم يتعلّق الأمر بأية نشوة".

سبق لكوميساروك وزملائه أن نشروا بحثاً بنهاية الثمانينات يعرض أن التحفيز المهبلي (المداعبة الفرجية) عند النساء يثبّط الألم، وقاموا بتجربته مع الفئران. ومع اهتمامه بالنشوة الجنسية لدى الأنثى منذ بداية الثمانينات، قام بتجربة تحفيز المهبل أثناء الولادة، وهو ما ساهم في تقليل الشعور بالألم، دون أن ينفي أنه بحالات أخرى قد لا تتحقق متعة. يقول كوميساروك: "إن صرّحت امرأة بأنها شعرت بالنشوة خلال الوضع، فمن نحن حتى نكذّبها؟ الأمر شبيه بتكذيبك لامرأة شعرت بالألم".

فيما يتعلّق بظاهرة الولادة، فهي لا تزال ضمن الظواهر التي تتلبّسها التصورات المسبقة بما تولّده من استعدادات نفسية، وهي استعدادات كانت لتختلف دون تلك التصوّرات النمطية. قد تختلف التجربة (أياً كانت)، أو تتغيّر حسب تغيّر مفاهيمنا عنها.. ذلك ما سعت له هذه الاهتمامات والتجارب (وغيرها كثير) المعروضة هنا.

هوامش:

1 – Stephanie Pappas, Yes! Orgasms During Birth Are Real, Study Suggests – Live Science.
2 – Viv Groskop, Yes! It's coming! – The Guardian.
3 – Lizzie Crocker, Can Women Orgasm During Childbirth? – The Daily Beast.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد