ماذا يريد الجزائري.. دولة علمانية أم إسلامية؟

فالبعض رأى أن الله هو مَن منح الزوج حق ضرب زوجته وبالتالي لا يمكن لأحد أن ينزع منه هذا "الحق"، وكذلك أن تعرض النساء للتحرش بالشارع سببه هو عدم التزامهن باللباس الشرعي، وبالتالي وجبت معاقبتهن هن وليس المتحرشين بهن!

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/13 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/13 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش

انتخاب صادق خان، مسلم الديانة، عمدة لمدينة لندن البريطانية، وقبله ما يقوم به الوزير السابق شكيب خليل من زيارات إلى الزوايا بالجزائر، زيارات إن رسمت علامة استفهام كبيرة عند البعض حول الدافع والهدف منها جعلت البعض الآخر يعلق بأنها حملة انتخابية مسبقة للرئاسيات، وقبل هذا بأسابيع تسريب مراسلة وزارية للأئمة تحدد محاور خطبة الجمعة في 6 نقط، لعل أبرزها "دعوة المواطنين للالتفاف حول قيادة البلاد الرشيدة".

هذا الحدث وذاك أعادا للواجهة الحديث عن السياسة والدين. في تعليق البعض عن ما سبق ذكره من أحداث ظهر تناقض صريح. فتجد ذلك الشخص المعادي للعلمانية فرحاً بوصول مسلم لرئاسة أكبر مدينة ببريطانيا بفضل العلمانية، ونفس الشخص يناهض الزيارات التي يقوم بها شكيب خليل ويندد باستغلال الدولة للمساجد لأغراض سياسية، فتجده متفقاً بل حتى داعياً للعلمانية ولمبدأ فصل الدين عن الدولة.

إن كان عدد شيوخ الزوايا التي رفضت زيارة شكيب خليل لها، بدعوى أن الزوايا مكان للعبادة وليست مكاناً للسياسة، يعد على أصابع اليد الواحدة، كذلك العلمانيون بالجزائر يعتبرون أقلة ولسنا بحاجة لأن نقدم إحصائيات لنثبت ذلك.

فبالجزائر التي تنص المادة الثانية من دستورها على أن الإسلام دين الدولة، بدعوى أن أغلبية الجزائريين مسلمون، نادراً ما يطرح موضوع العلمانية للنقاش بشكل جاد وموضوعي، فعبارة واحدة تكفي لإجهاض أي نقاش حول الموضوع قبل أن يبدأ "نحن مسلمون والله الذي خلقنا وهو أدرى بما يصلح لنا". نفس هذه الحجة التي استعملها علي بلحاج في التسعينات لإقناع جزائريين بحمل السلاح في وجه إخوانهم الجزائريين بعد إلغاء الانتخابات التي فاز فيها الفيس. فخير بين الدولة الإسلامية أو الجهاد وقال إن الله هو الذي يدعو لرفع السلاح بالتالي "لا أترك كلام الله وأتبع كلام البشر". نفس هذه الحجة استعملها منذ أشهر نواب بالبرلمان لما عرض عليهم مشروع قانون تجريم ومعاقبة العنف ضد المرأة.

فالبعض رأى أن الله هو مَن منح الزوج حق ضرب زوجته وبالتالي لا يمكن لأحد أن ينزع منه هذا "الحق"، وكذلك أن تعرض النساء للتحرش بالشارع سببه هو عدم التزامهن باللباس الشرعي، وبالتالي وجبت معاقبتهن هن وليس المتحرشين بهن!

لطالما ربط رجال الدين المتشددون وأتباع ما يعرف بالأحزاب الإسلامية العلمانية بالكفر والإلحاد. هل العلمانية التي سمحت لمسلم بتولي منصب عمدة أكبر مدينة ببريطانيا، العلمانية التي تضمن للمسلمين حرية المعتقد وتشييد المساجد والقيام بشعائر دينهم بدول غير إسلامية، ونفس العلمانية التي سمحت لذلك المسلم الذي ضاقت به السبل ببلده أن يخاطر بنفسه ويعبر البحر المتوسط قاصداً تلك الدول العلمانية دون الدول الإسلامية ولو امتدت من المحيط للمحيط، تعتبر كفراً والداعي لها كافراً؟

أم أن رجال الدين هؤلاء وهؤلاء السياسيين يكفّرون العلمانيين دون علم واطلاع عن ماهية العلمانية أم أنهم يعمدون لذلك فقط حفاظاً على امتيازاتهم وشيطنة لمنافسيهم؟ ففي التنافس للسلطة، وفي مجتمع كمجتمعنا، فكون أحدهم حاملاً للقب "شيخ" وطلاء برنامجه السياسي بالصبغة الدينية واتهام منافسيه بالكفر والخروج عن الدين، كفيل بمنحه هالة "القدسية" وإقناع الناس للالتفاف حوله.

تاريخياً، لطالما كان الحكام يقررون ورجال الدين يبررون. فجاءت العلمانية لفصل الدين عن الدولة كي لا يستغله هؤلاء لتحقيق مصالحهم وتبرير أفعالهم وإخضاع شعوبهم. فالعلمانية بالتالي تحمي الدين من استغلال وإساءة الحكام والسياسيين له، كما تحفظ للفرد حرية الدين وتطبيق شعائره وتضمن التعايش بين المواطنين باختلاف دياناتهم وأفكارهم. والعلماني لا يرى نفسه محتكراً للحقيقة ولا ينصّب نفسه ولياً عليهم يريهم ما يرى، بل يتعايش معهم متقبلاً الاختلافات سواءً كانت عقائدية أو فكرية.

كأننا كجزائريين لا نعرف بعد أي مجتمع نريد، وما الجزائر التي نريد؟ هل نريد أن نكون مجتمع متدينيين أم مجتمع مواطنين؟ وهل نريد جزائر ديمقراطية المواطنون فيها متساوون في الحقوق والواجبات أم جزائر ثيوقراطية، فيها الحر والعبد والذمي والأمة وتقطع فيها يد السارق ويرجم فيها الزاني وتجمع الجزية من غير المسلم؟

استيراد العلمانية كما هي مطبقة بالغرب لن يكون الحل، فلكل مجتمع خصوصياته. لكن على الأقل لنبدأ بالتفكير معاً مستفيدين من تجارب غيرنا، ولا ننسَ أو نتناسى ما أوصلنا إليه سعي البعض منا نحو سراب الدولة الإسلامية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد