نقد الإيديولوجيا السياسية بالمغرب

الأيديولوجيا السياسية وحقيقتها: الأدلوجة في الميدان السياسي، هي مجموعة من القيم والمبادئ والأهداف التي ينوي أن يقوم الحزب الفائز بتنفيذها على أرض الواقع، وتحقيقها، لكن الطامة الكبرى التي وقعنا فيها اليوم هي أن جل الأحزاب استخدمت أيديولوجيات خاطئة

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/11 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/11 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش

لقد اخترت هذا العنوان تعبيراً عن الحالة المتردية التي وصلت إليها السياسة بالمغرب، فسدت السياسة، وفسد السياسيون، وانحرفت الأحزاب بالمغرب عن السكة الصحيحة، وإن الغرض الوحيد من الأحزاب هو تمثيل إرادة الأمة، وليس اللعب بأوراق صفراء، وكلام خشبي، ليس له من الصحة بالمكان، وأضحى الانتفاع الشخصي هدف السياسي، هذا الانتفاع يمكن التمييز فيه بين المالي والفكري، وإن هذا الأخير لأصعب وأخطر على مجتمعنا وبلدنا، ويرتبط بما يسميه الأكاديميون والمفكرون والسياسيون بالأيديولوجيا السياسية.
1 – من الأيديولوجيا إلى الأيديولوجيا السياسية
إن مفهوم الأيديولوجيا وتاريخها: أول من وضع مفهوم الأيديولوجيا هو الفيلسوف الفرنسي ديتوت دى تراسي tracy De 1754 – 1836، وكلمة أيديولوجيا Ideology كلمة يونانية تتكون من مقطعين، المقطع الأول Idea ويعنى الفكرة والمقطع الثاني Logos يعني العلم، فتكون الترجمة
الحرفية (علم الأفكار) وقد تأثر دي تراسي بنظرية الفيلسوف الإنجليزي جون لوك التجريبية، كما تأثر بمذهب الفيلسوف الفرنسي كوندياك الذي يرد كل معرفة أو إدراك

إلى أصول حسية بحتة(1).

والأيديولوجيا هي علم الأفكار، وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديداً، ومفهوم الأيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، هي منظومة من الأفكار المرتبطة اجتماعياً بمجموعة اقتصادية أو سياسية أو عرقية أو غيرها، منظومة تعبر عن المصالح الواعية -بهذا المقدار أو ذاك- لهذه المجموعة، على شكل نزعة مضادة للتاريخ، ومقاومة للتغير، ومفككة للبنيات الكلية. إن الأيديولوجيا تشكل إذن التبلور النظري لشكل من أشكال الوعي الزائف(2).

ب:

الأيديولوجيا السياسية وحقيقتها: الأدلوجة في الميدان السياسي، هي مجموعة من القيم والمبادئ والأهداف التي ينوي أن يقوم الحزب الفائز بتنفيذها على أرض الواقع، وتحقيقها، لكن الطامة الكبرى التي وقعنا فيها اليوم هي أن جل الأحزاب استخدمت أيديولوجيات خاطئة أوهمت الشعب بالأفعال وهمية نابعة من أيديولوجيتهم، لكن عند الفوز يفعل العكس، ولا تبقى إلا لغة الكلام، فيدخل عليها بعضاً من الأيديولوجيا، لتعطينا كلاماً خشبياً وهمياً، يظلل به عامة الشعب، غير الواعي سياسياً، وهكذا رغم ما لم يحققه الحزب الحاكم من نجاح في تدبير الشأن العام، تجد البعض من الشعب يدافعون عنه، وعند سؤالك له ما حجتك؟ يقول لك وهو شبه متأكد: إن الوزير الفلاني قال هذا الكلام، إن هذا الوزير بالطبيعة الحال لن يقوم بالانتقاد لفشلهم بل سيمدح، وهذا تلميع لصورة الحزب، مستخدماً في ذلك لوهم الأيديولوجيا السياسية.
2 – وهْم الأيديولوجيا السياسية بالمغرب
إن الأيديولوجيا في الواقع، وفي نظرنا المتواضع، كذب وتزييف للواقع وقلبه، من أجل إقناع الآخر بنقيض الواقع، فيتوهم الآخر بالعالم المزيف غير ما هو موجود في الحقيقة.
ولن يمتلك قدرة على الإقناع إذا لم تتم إقامته على جسر "الانتقاء الأيديولوجي"، بحيث تعمل هنا آليات غير موضوعية وغير علمية في سبيل فرز الأولويات أولاً وفي سبيل اتخاذ المواقف من المخالف والموالي ثانياً (3).

ويلاحظ أن الأحزاب السياسية بالمغرب تستعمل الأيديولوجيا السياسية كثيراً، وبشكل مفرط جداً، حتى أصبح السياسي يمارس التضليل في خطابه أمام الأمة، إن الحديث عن الحكومة هو مجرد أداة من المفترض أن يتحكم بها الشعب، من خلال تنزيل الأفكار التي نادى بها فلاسفة الأنوار، فالسيادة للشعب، وهذا ما يجب أن يكون، أما ما هو كائن في المغرب، فإن السياسي يجمل قبحه، من خلال استعمال الأيديولوجيا السياسية وربط ممارساته بأفكار لا منطق لها، وهذا من أجل الانتخابات التشريعية الأخرى، فتصبح ولايتهم الحكومية مجرد حملة انتخابية طويلة الأمد، لكن نحن لا ندعي أن الأيديولوجيا لا وجود لها، بل هي موجودة في كل عصر وفي كل زمان ومكان، رغم أنها كلمة دخيلة على جميع اللغات (4).
وتتمظهر هذه الأيديولوجيا الوهمية في تخلف الأحزاب سياسياً، فتفقد بذلك قيمتها، والتخلف عموماً له مجموعة من الخصائص حصرها الأستاذ أسامة الغزالي حرب(5) في

ثلاث هي:

– الخاصية الأولى: أن تخلف حقيقة كلية وشاملة، تتناول كافة جوانب ونواحي الحياة في المجتمع، ومن بين الأنواع نجد التخلف السياسي.
وقد عرف البعض التخلف السياسي بأنه تخلف بعض الأنظمة عن تحقيق أهداف الأمة (6)، وعموماً يرتبط التخلف السياسي بتردي المنظومة القانونية، المتعلقة بالانتخابات،
وكذلك ضعف الأحزاب السياسية، وهزالتها.
– الخاصية الثانية: أن التخلف لا يمكن فصله عن السياق التاريخي، أي عن العوامل التاريخية والمؤثرة في تخلف أحد المجتمعات.
– الخاصية الثالثة: أن فهم التخلف يستلزم ربطه بكل العلاقات التي تجمع بين المجتمع المتخلف والمحيط الدولي.
وإن أهم سبب لوجود التخلف السياسي هو عدم التصرف بالعقلانية في اتخاد القرار السياسي، وهذا يرتبط ويتعزز أساسا بتوظيف الأدلوجات السياسية، التي هي عبارة عن مصلحة الأحزاب الحاكمة، كما تحدث عن هذا كارل منهايم (7).
وهذا ما يلاحظ وبشكل متفشٍ في الحياة السياسة المغربية، تلك الحياة التي هي جسد بلا روح، إن هذا المنطق يجب أن يغير، وإلا سيقضي على كل المؤسسات، وكل ما حققه المغرب مع دستور 2011، من مؤسسات وحقوق وحريات اكتسبها الشعب المغربي، ومن بين ما سيتم التأثير عليه هو استقلال القضاء، واكتسابه لصفة السلطة القضائية المعلن عنها في الدستور المغربي لفاتح يوليو/تموز 2011.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- للتوسع راجع:

هنري أيكن، عصر الأيديولوجيا، ترجمة فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963، ص 63.
أحمد أنور، النظرية والمنهج في علم الاجتماع، محاضرات في كلية التربية جامعة عين شمس، غير مذكور سنة الدراسة. ص 3.
2- موقع ويكيبيديا.
عبدالله بن بجاد العتيبي، مسارات الأيديولوجيا بين وهم التأويل وتأويل الوهم، منشور بموقع جريدة الرياض:
4- عبد الله العروي، مفهوم الأيديولوجيا، المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، الطبعة الخامسة، 1993، ص 9.
5- أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، سلسلة عالم المعرفة، عدد 177، شتنبر 2009، ص 12.
6- ورد هذا التعريف ضمن مقترحات الندوة المنظمة من طرف مهرجان القرين في دورته العشرين بالكويت خلال الفترة الممتدة من 14 إلى 16 من يناير/كانون
الثاني 2014، وخصصت لمناقشة موضوع" التخلف السياسي وأبعاده الحضارية "، نشر تقرير هذه الندوة عبر موقع اليوم:
7- كارل منهايم، الأيديولوجيا والطوبى، ترجمة إنجليزية، نيويورك، 1936، ص 44.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد