لم أتردد لحظة حينما طلب مني، نهاية 2014م، تولي مهمة رئاسة فريق الدفاع، عن رجال الأعمال الليبيين العشرة، المعتقلين في دولة الإمارات العربية المتحدة. فسيرتهم الحسنة، كونهم أصحاب تجارب ناجحة ورائدة، وخلوُّ ملفهم من أية سوابق جنائية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة أو خارجها، ومواقفهم الداعمة لنهضة واستقرار أوطانهم، وحرصهم الذي لمسته جلياً، أن يعم السلام والوفاق بين أبناء شعبهم، والتضامن الشعبي الكبير من مختلف فئات الناس، في ليبيا والإمارات وكندا وأميركا والصين والعديد من دول العالم، وعلاقات الأخوة والصداقة القوية التي تربطهم بالشعب الإماراتي وحكامه.. كل ذلك جعلني متأكداً أني أمام قضية عادلة.
لم أتوقع، وقتها، أن تحظى القضية بكل هذا الاهتمام العالمي الواسع، من كبريات منظمات حقوق الإنسان؛ كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية.
وما توقعتُ، حين تسلَّمتُ ملف القضية، أن تشغل الحيز الذي شغلتْه، في كبريات وسائل الإعلام العالمية؛ كـ نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، والغارديان، وهافينغتون بوست، وقناة سي إن إن، وبي بي سي. وغيرها..
كما فاجأني مستوى انشغال العديد من الخبراء الدوليين في حقوق الإنسان بهذه القضية.
مما زادني حماساً، وشجعني على تولي ملف الدفاع عن رجال الأعمال؛ القرار الواثق الذي اتخذته أسر المعتقلين، بأن تبقى قضية أبنائهم حقوقية إنسانية قانونية، بعيدة عن كل أنواع التسييس.
لقد كانت مهمتنا شاقة، مليئة بالتحديات الجسام؛ ابتداء من غياب أية معلومات عن مصير المعتقلين طوال الأشهر الأولى لاعتقالهم، وليس انتهاء بعدم معرفة التهم الموجهة إليهم، وغياب تواصل فريق الدفاع معهم، وعدم إمكانية حضور تحقيقات النيابة.
بعد 16 شهراً عجاف من الاعتقال التعسفي، تم تقديمهم للمحاكمة أمام المحكمة الاتحادية العليا (دائرة جنايات أمن الدولة)، لنتفاجأ بأن نيابة أمن الدولة تتهمهم بموجب قانون خاص بالإرهاب، ونحن نعلم يقينا أن لا صلة بينهم وبين الإرهاب، لا من قريب ولا من بعيد، ونعلم كذلك موقف هؤلاء الرجال المدنيين، الرافض للإرهاب بشتى صوره، فكيف يوجه لهم هذا الاتهام؟! لقد كانت صدمة. إنه اتهام خطير وغير عادل، يزيد إلى التعقيدات السابقة، عقدة خطورة التهمة، وغموضها.
لقد قررنا أن لا نستسلم أمام هذه التهمة الخطيرة، ليقيننا ببراءة موكلينا وقناعتنا بعدالة قضيتهم. بدأنا في النضال لإعداد دفاعنا، بعد أن تمكنا بصعوبة من معرفة حيثيات القضية وأوراقها، واكتشفنا حقيقة ناصعة كأشعة الشمس؛ هي أن نيابة أمن الدولة لم تقدم أي دليل حقيقي يثبت هذه التهمة الخطيرة، وقد أسست اتهامها الخطير على أدلة ضعيفة غير مقنعة بتاتا، بل مفبركة أحياناً.
تأكدنا كذلك أن المحكمة ستصدر حكمها ببراءة رجال الأعمال مباشرة، وقد زاد من توقعاتنا للبراءة، ومدنا بقدر كبير من الأمل؛ أنْ أصدرت لنا نفس المحكمة حكمين بالبراءة في قضيتين مماثلتين تتعلقان برجلي أعمال ليبيينِ، هما معاذ الهاشمي وعادل ناصف، وجهت لهما ذات التهم.
لكن نيابة أمن الدولة، وبعد أن كنّا قاب قوسين أو أدنى من البراءة، فاجأتنا جميعاً وقررت في الأمتار الأخيرة، من سباقنا للوصول للعدالة، تغيير التهم بأخرى جديدة تختلف كلياً عن التهم القديمة، لم تتضمن اتهامهم بالإرهاب، وهو أمر نادر الحدوث.
كيف يتهم أبرياء بالإرهاب، دونما دليل، وهي تهمة خطيرة، أساءت لسمعتهم وسمعة ذويهم، عطلت أعمالهم وضيعت مصالحهم، وبجرة قلم يتم تغييرها؟! لا شك أننا أمام مأساة قانونية وإنسانية.
عقدنا العزم مرة أخرى ألا نستسلم. أعدنا العمل من البداية، وأعددنا دفوعاً جديدةً، واكتشفنا أن نيابة أمن الدولة هذه المرة، لم تقدم أي دليل على الاتهام الجديد، واكتفت فقط بمجرد تغييره، وبالتالي أضحى الملف خالياً من أي أدلة، علماً بأن القضية أمام أعلى سلطة قضائية في دولة الإمارات.
لقد ساعدنا وآزر موقفنا القانوني، شخصيات رسمية وأهلية أصدرت شهادات تؤكد براءة المعتقلين؛ كشهادة رئيس المجلس الوطني الانتقالي، وشهادة نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، وشهادة مكتب النائب العام الليبي، وهو أعلى سلطة ادعاء في ليبيا، وكذلك شهادة وزراء الدفاع والداخلية والحكم المحلي، وعمداء عدد من البلديات.
كما قدمت شهادات من غرف التجارة ومن مجالس رجال الأعمال الليبيين، وكذلك الهلال الأحمر الليبي، ومنظمات إغاثية.. وغيرهم كثيرون تطوعوا للشهادة دفاعاً عن موكلينا.
لقد حظيت بالعمل في هذه القضية مع فريق دفاع رائع، مهتم بقضايا حقوق الإنسان، جمعتنا عدالة هذه القضية، ويقيننا ببراءة المتهمين.
على رأس هذا الفريق زملاء رائعون من دولة الإمارات العربية، بذلوا جهوداً جبارة وشجاعة للدفاع عن المتهمين. كذلك الزملاء من كندا وأميركا وبريطانيا وفرنسا وليبيا وسويسرا، واصلوا الليل بالنهار.
إننا واثقون من دفاعنا، منتظرون للبراءة، لكننا في ذات الوقت حذرون متوجسون لسبب واحد؛ هو أن الحكم الذي سيصدر هو حكم باتٌّ غير قابل للاستئناف.
ختاماً؛ ستُطوى صفحة هذه القضية، بمرها ومعاناتها وآلامها.
سيعود رجال الأعمال الليبيون لمسيرة النجاح والعمل وزراعة السلام والأمل؛ حين ستصدر المحكمة الاتحادية العليا بدولة الإمارات العربية المتحدة، حكمها العادل ببراءة سليم العرادي، وكمال ومحمد الضراط، يوم 30 مايو/آيار الحالي.
هذا ما نأمله ونترقبه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.