أبجدية تبحث عن ناطقين

لا تنتظر الوقت ولا الأسباب لتقدم لمن تحبهم الهدايا، فاجئهم ولو بهدية بسيطة تؤكد لهم أنك تتذكرهم رغم ازدحام الوقت بالمشاغل، ورغم فراغ الرصيد من الأموال.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/11 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/11 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

اللغات شتى، بعضها فقط يستلزم لساناً بشرياً يعبر من خلاله الكلام، وبعضها الآخر لا يستلزم سوى قلب يحسن الفهم.
بهذا الشكل فإنّ للموسيقى لغة، وللعيون لغة، وللطبيعة لغة، وللهدية كذلك لغة، بل إن الهدية بذاتها لغة.
بعض الهدايا صندوق جامد تُزينه بضع شرائط فاخرة، وبعض الهدايا حية تنبض وتتحدث، لكن أجمل الهدايا ما يتحول ليصبح لغة، وأثمنها ما يتشكّل حروفاً تُخبرنا كم هي رقيقة وبريئة تلك الأفئدة التي لم تتقن الكذب قط.

تلك الهدايا الأجمل غير قابلة للتثمين، فما تحمله من معنى أثمن بكثير من أن يخضع للتسعير والحسابات.
حين قال المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- (تهادوا تحابوا) كان يهدينا مفتاحاً نفتح به مغاليق الشعور، كان يمنحنا إشارة أن للقلوب لغة لا تحتاج للترجمة مهما اختلفت الألسن.

الهدية هي إحدى الملذات الحقيقية التي أفسد الناس معناها بالتنافس في الأسعار، أفسدوها حين ظنوا أن تلك البهرجة والفخامة المفتعلة تُخفي فقر الشعور فيها.

لكن الهدايا التي تورث المحبة ليست تابوتاً خشبياً أبكمَ يختنق بالورود المجففة، الهدايا الحقيقية مثلنا تنبض بالحياة، تشعر وتتحدث، تُنشِد على المهدى إليه قصيدة صدرها عنه وعجزها عن مكانته، تلقيها على مسامعه بلهفة شاعر يأمل أن يصفق القلب جذلاً بالقافية.

الهدية رسالة محبة وترجمة لمكانة المهدى إليه تخبره أن له مساحة خاصة وثمينة جداً في القلب، من يعتنق هذا الإيمان بالهدية يعلم جيداً أن مساحات القلب غير قابلة للتثمين، وهي بالتالي غير قابلة للتبادل التجاري، فالقلوب كالأوطان لا تُشترى بالمال.

الهدية الثمينة لغة سهلة التعلم لمن تستثيره المنافسة في الود، هي فن تتقنه القلوب حين تتعلم بصبر كيف تعيد تشكيل الملامح لتبدو المحبة أكثر وضوحاً، فن تتقنه القلوب التي تمسك بفرشاة الإخلاص مائلة قليلاً، تراهن على ضربة أخيرة بها، ضربة احترافية تُنير القلب، تلتمع بها ولأجلها العيون.

بالهدية غير القابلة للتثمين ستعلن للآخر عن مساحته الممهورة باسمه في خارطتك.
لا يهم كيف ستعلن ذلك، اختر اللغة التي تتقنها، فلتعلن بالكلمات، بالشرائط الملونة، بالسكاكر والورود، بالروائح، بالقصائد والأغنيات، بتأطير المعنى الأجمل في لوحة لألوانها رائحة العيد.

دع الأيام تشاركك اللغة، دعها تستجلب لهم سروراً يخبرهم أن القلوب على العهد باقية، دعها تلكز الذاكرة تفتش في الأحاديث التي ظلت عالقة رغم الغياب والمسافات، رغم الخلافات والاختلافات، ورغم الظنون والحقائق والأوهام.

ضع عقلك في محفظتك وأغلق عليهما درج خزانتك بالمفتاح، ثم أبحر بقلبك بعيداً، بعيداً جداً، لتخبرهم أنك اعتنيت كثيراً بتفاصيلهم، بأنك مهتم أن تمنحهم هديتك دهشة تخبرهم بأهمية سعادتهم بالنسبة لك.
لا تنتظر الوقت ولا الأسباب لتقدم لمن تحبهم الهدايا، فاجئهم ولو بهدية بسيطة تؤكد لهم أنك تتذكرهم رغم ازدحام الوقت بالمشاغل، ورغم فراغ الرصيد من الأموال.

قد يكون من التهذيب أن تتبادل الهدايا مع الآخرين في المناسبات، لكن التهذيب وحده لا يكفي لتخبر أحدهم بمكانته في قلبك عبر هدية اقتنيتها بعجالة.
والمؤكد أنك لن تتعرض للوم حين تختار تقدمها لدواع التهذيب، فقط تذكر ألّا تغضب إن اكتشفتْ يوماً أنه أعاد تدوير هديتك لشخص آخر يشبهك في التهذيب!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد