جمال الكون أم جمالك

في كل مكان.. يمكنه أن يبصر بعينه (نفسها) كمية كبيرة من الجمال، وكمية كبيرة من المحبِطات والحفر، سيُبصِرر ويُبصِر، ويقلب النظر هنا وهناك، وسيغادر مكانه كل يوم، وهنا تكمن العبرة.. ماذا سيَتَذَكَر؟! ماذا سَيَستَحضِر؟! ماذا سَيُخبِر؟!

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/10 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/10 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش

في الآونة الأخيرة، وبعد تنقلي بين بلدين مختلفين ثقافة وجغرافيا (تركيا وقطر)، وقبلها الأردن، ومروري على أميركا لمدة خمسة شهور، لاحظت كيف أن الإنسان كثيراً ما تراوده فكرة "هناك رح ألاقي ما ينقصني هنا".

أي مثلاً في خضم الكثير من الإيجابيات التي تحيط بالإنسان في مكان ما، دوماً يفكر بالخيار البديل، ففي تركيا كثيراً ما انشغلت بالتفكير في الأمور التي تُتعِبني، والتي حين أنتقل لقطر ستختفي، واعتقدت أني سأرمم تلك الثغرات التي وجدتها في تركيا…

واليوم وأنا في قطر أقول: ولكن كان في تركيا كذا وكذا.. وصحيح أني وجدت في قطر كذا وكذا، ولكن لا هذه البلدة ينقصها كذا وكذا.. وبدأت أفكر لو سنرحل أين سنجد ما يسد تلك الثغرات.. ففكرت في عدة احتمالات، فوجدت أنها تفتقد إلى أمور أخرى كثيرة…

ليس هناك مكان كامل !

جملة نعرفها منذ أمد، وليست الفكرة أن نعرفها، ولا حتى في إدراكها، بل كيف تتعامل معها !

المشكلة أننا تنتظر النور دوماً من خارجنا، فنتوقع (معطيات محددة )… وهذه المعطيات هي التي ستغيرنا وستجدد مشاعرنا وتنعش حياتنا.. وإذا فقدنا بعض هذه المعطيات أو ظهرت بجانبها بعض المنغصات.. سمحنا لتلك المنغصات أن تسرق بريقنا.. أن تسلب إرادتنا كإنسان قادر على تطويع ما حوله له، وليس العكس، وسمحنا لبعض الظلام أن يعلو مساحات النور التي شيدناها داخلنا.

أتذكر جيداً قول حسين البرغوثي في كتابه (الضوء الأزرق) حين زارته صديقة في بيته وتعجبت من وجود (غصن صنوبر) بين الكتب!
فقالت مع ضحكة ساخرة: غصن صنوبر بين الكتب!

فقال: إن فيه حياة، قالت: من فيه حياة فعلاً لا يحتاج لغصن صنوبر من الخارج ينشُرُ فيه حساً بالحياة!
هزتني جداً كلمتها… وشعرت بالخجل من نفسي.

أنا إنسان… تجمعت أسرار الكون فيّ.. أيدني الله بكثير من الصفات التي تجعلني أقرأ واقعي بشكل مختلف.. يليق بالجمال داخلي.

ما زلت أعتقد أن هذه الفكرة من الحروب التي يدخلها الإنسان بشكل مستمر.. كل يوم.. في كل مكان.. في جامعته.. بيته.. مدرسته.. عمله.. في الشارع.

في كل مكان.. يمكنه أن يبصر بعينه (نفسها) كمية كبيرة من الجمال، وكمية كبيرة من المحبِطات والحفر، سيُبصِرر ويُبصِر، ويقلب النظر هنا وهناك، وسيغادر مكانه كل يوم، وهنا تكمن العبرة.. ماذا سيَتَذَكَر؟! ماذا سَيَستَحضِر؟! ماذا سَيُخبِر؟!

هذا لا يعني أن جزءاً كبيراً من تحسين وتطوير حياتنا.. هو معالجة السلبيات والتوقف عند المشاكل وحلها وتغييرها… ولكن أنا أتحدث عن قدرتنا في تجميل ذواتنا.. فأينما أينما وُجِدَت.. أزهَرَت! وهذا الإزهار نابعٌ من إيمانٍ راسخ داخلها.. إنها كلما تشبثت بالسواد.

وانتبهت له.. وشَكَت منه.. وعبست منه.. ستظلمُ من داخلها.. ستندثر.. ستتلاشى.. الظلام واستحضاره يُميت القلب.. والجمال حياة وحياة؛ لذلك تجنبوا من يكثرون ذكر مساوئ أماكن معينة.. ظروف معينة.

دون نتيجة تُرجى.. وتشبثوا كثيراً فيمن يفتحون لكم نوافذ جديدة
ويدلونكم على النور.. فهنالك الفوز والنجاة.. وقبل أن تبحثوا عنهم.. كونوا أنتم مشاعل تنير الطريق.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد