على الرغم مما تناقلته وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي من صور تهز الوجدان لضحايا قصف النظام السوري للمدنيين في حلب، فإن وسائل الإعلام في مصر نهجت نهجاً مختلفاً في تناولها للأحداث، فسلكت واحدة من تلك الطرق: إما تغطية محدودة للأحداث، وتفضيل أحداث أخرى عليها، أو إنكار لها من الأساس، يكذب أصحاب ذلك الاتجاه الصور ويدفعون بأنها قديمة، وأن تلك المجازر ارتُكبت منذ سنوات على يد التنظيمات الإسلامية، لا على يد النظام السوري، أو يدّعون أن صور مواقع التواصل ووسائل الإعلام الأخرى بها مبالغات، والوضع ليس بهذا السوء.
والرد التلقائي على أصحاب ذلك الاتجاه هو ما صرح به مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، ونقلته جريدة اليوم السابع المصرية، من استنكار وإدانة وشجب لما وصفه المصدر بعمل إرهابي قام به بشار تجاه شعبه، خاصة قصف مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في حلب، ما أسفر عن مقتل العشرات، كما وصفت الأمم المتحدة الوضع بالكارثي، وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن حلب على شفا كارثة إنسانية، كذلك اعتذرت الـ"بي بي سي" البريطانية عن نشر صور قالت إنها لقصف المعارضة لمناطق تابعة للنظام في حلب، ثم تراجعت، وقالت إن تلك المناطق تابعة للمعارضة، وبالتالي فإن مَن قصفها هو النظام، وأخيراً فقد صرح نائب وزير الخارجية الروسي نفسه بأن بلاده لن تضغط على الحكومة السورية لإيقاف الغارات الجوية على حلب؛ لأنها تؤمن أن هذه الغارات تساعد في دحر المجموعات الجهادية.
يذهب أصحاب اتجاه إنكار صور المجازر إلى اتهام الهاشتاغ الأكثر تداولاً على صفحات الفيس "حلب تحترق" بأنه ظهر من العدم، وأنه يخدم مؤامرة لإسقاط مصر!. ويتمادى البعض في تخيلاته ليرى أن هذا الهاشتاغ هو تمهيد لهاشتاغ آخر سيظهر قريباً حاملاً عنوان: "تحرير حلب يبدأ من القاهرة"، ويرون أن أصحاب ذلك الهاشتاغ مموَّلون من الخارج، وينوون التهجم على النظام المصري بحجة عدم تدخله لوقف الحرب، كما يطالب بعض الإعلاميين أصحاب وجهة النظر تلك بعمل هاشتاغ مضاد داعم للنظام المصري ضد الهاشتاغات التي تنبأوا بظهورها.
حقيقة في كل مرة تراق فيها دماء عربية تتهم الشعوب العربية حكوماتها كافة بالتخاذل عن نصرة الأشقاء، وذلك بحكم روابط الأخوة والدم والدين، وما رددناه طويلاً منذ صغرنا من شعارات تطالب بالوحدة العربية، والطبيعي أن من يتحمل المسؤولية السياسية بالفعل هم أولئك الحكام جميعاً، غير أن مؤيدي النظام المصري يرون -بلا مبرر حقيقي- أن "هاشتاغ حلب تحترق" موجَّه ضد النظام المصري تحديداً؛ ذلك لما يمتاز به أصحاب ذلك التوجه من حساسية مفرطة ضد أي انتقاد ينال النظام المصري، حتى لو شمل ذلك الانتقاد بقية الحكام العرب.
وأبسط نفي لمزاعم استهداف النظام المصري أن المتعاطفين مع حلب انتقدوا جهات كثيرة، واتهموها بالتحيز، منها "الفيس بوك"؛ لأنه لم يُفعّل خاصية إدماج صورة البروفايل مع علم سوريا، كما فعل مع فرنسا العام الماضي، بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت بها، وانتقدوا رؤساء الدول حين لم ينظموا مسيرة كتلك التي نظموها العام الماضي في فرنسا.
ومن المؤسف أن مؤيدي النظام من الإعلاميين يرون -بعد كل تلك الأدلة التي تثبت تورط النظام السوري في تلك الجرائم بدعم روسي- أن تعاطف رواد مواقع التواصل مع حلب ليس تعاطفاً إنسانياً طبيعياً، بل هو مجرد هيستيريا عاطفية يشتهر بها رواد تلك المواقع!.
ومن العجيب أن نجد -في اتجاه مغاير تماماً لما سبق- إعلاميين يعترفون بالمجازر في حلب، ويتخذون منها دليلاً على طيبة قلب النظام المصري، الذي لم يرتكب مجازر مماثلة في حق معارضيه، فالأهم لديهم من التعاطف مع مأساة حلب هو استغلالها من أجل الترويج للنظام، كما حدث مسبقاً وعلقوا على صورة الطفل إيلان السوري -الذي غرق أثناء الهروب مع أسرته من جحيم الأسد- بطفل فقد جيشه، ووضعوا بجوارها صورة أخرى لطفل مصري بجوار السيسي، أثناء الاحتفال بتفريعة قناة السويس الجديدة، وعلقوا بطفل معه جيشه.
لا أجد عاملاً مشتركاً بين كل تلك الاتجاهات سوى أنهم يسيرون كمبطوحي الرؤوس، يشمرون عن سواعدهم حتى لو لم يتم استدعاؤهم، وبالطبع يفتقر أصحاب تلك الاتجاهات جميعاً إلى المعايير المهنية للأداء الإعلامي.