عندما ننسى الحكمة من من خلقنا

الاستيقاظ، ممارسة الحياة، الأكل، الذهاب للعمل، الجلوس مع العائلة، الخروج مع الأصدقاء، حل مشكلات الأبناء، النوم، العبادة، الزواج، والأهل.. إلخ، كل هذه الأمور أصبحت ملقاة في حياتنا لا شعورياً في مقبرة العادة..

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/09 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/09 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش

الاستيقاظ، ممارسة الحياة، الأكل، الذهاب للعمل، الجلوس مع العائلة، الخروج مع الأصدقاء، حل مشكلات الأبناء، النوم، العبادة، الزواج، والأهل.. إلخ، كل هذه الأمور أصبحت ملقاة في حياتنا لا شعورياً في مقبرة العادة.. ما عاد للّذة مكان في حياتنا، لماذا تعوّدنا على الحياة ورفعنا أيدينا مُعلنين الاستسلام لأقدارها وأحداثها بدلاً من أن تتعوّد هي علينا بأن نُفاجئها كل يوم بذكائنا وإنجازاتنا ودافعيتنا لها؟.. لماذا ننتظر مفاجآتها لنا باستسلام دون حراك أو مبادرة للتلذّذ بها؟.. لماذا تكون معظم الوقت أفعالنا عبارة عن ردود فعل لا أفعال نأخذ نحن بزمامها ونكون نحن من يديرها ويتحكم بها؟..

لماذا طبعنا حياتنا لا شعورياً بطابع الاستسلام والهزيمة أمام الحياة وأقدارها، رغم أننا نحن من سُخّرت لنا الأرض وما عليها لخدمتنا وسعادتنا؟ فقد قال الله في كتابه الحكيم: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، و(ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)، و(وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه)، و(وسخّر لكم الفُلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار وسخّر لكم الشمس والقمر دآئبين وسخّر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها) و(وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طريّاً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها).

وبعد ذلك نجد مَن يشتكي من الدنيا ومِن الظروف ومِن الناس ومِن نفسه ومن كل شيء.. لماذا؟ لأننا شعوب تجرّعنا الاستسلام دون أن نشعر منذ صغرنا؛ لأننا أمم رضيت بالهوان فأصبحنا نتطبّع به، وأعداؤنا فرحون بكل ذلك، فهم من خطّطوا وفكّروا وعملوا من أجل هذه اللحظة.. هذه اللحظة التي يعتبرها معظمنا لحظة اعتباطية قدَرية حدثت دونما تخطيط أو تفكير، لا إنما هي كذلك.. عندما تجد الأمة في ضعف والحروب تشتعل في كل مكان وجوعى ويتامى ولاجئين تلفظهم البحار والمحيطات على الشطآن.. عندما تجد القدس في يد اليهود، والعرب يصفّقون لهم، لا بل وتدعمهم بعض أنظمتهم وحكامهم.. وعندما تجد السجون قد طفحت من قاطنيها، وكأنها معدة ممتلئة مكتظة تريد أن تفرّغ الطعام فلا تستطيع.

عندما ترى الفساد قد انتشر في البرّ والبحر بما عملته أيدينا.. عندما ترى المرأة أقصى أمنياتها زينتها وعمليات التجميل وتقليد الفنانات والمغنيات.. والرجل أقصى أمانيه أن تحبه إحداهن أو أن يغويها ليحقّق هدفه الحيواني، ويضيفها بعد ذلك لقائمة إنجازاته باعتباره زير النساء.. وعندما ترى الطفل يدخّن فيشتري أخوه ببضع قروش كي لا يفسد لوالده فيعاقبه.. وترى الأم لا تعرف عن أولادها شيئاً سوى أسمائهم واسم الخادمة التي برفقتهم.. وعندما تجد العائلة تجتمع للتفاخر بما يملك كل منهم، ولتضحك الوجوه أمام بعضها، فما إن تفرّقوا حتى نهش كل منهم الآخر حتى آخر لقمة.. عندما تجد الأخ يحتال على أخيه ويستغلّه ثم يلفظه كما تلفظ الأفعى سمّها.. فلا يعود يتعرّف عليه إلا يوم القيامة بين يدي الحق؛ لأنه مجبر ولا مفرّ لا؛ لأنه بطل صاحب ضمير حيّ.

عندما يصبح قضاة الدنيا هم شياطينها.. ومَن مهمتهم العدل والإنصاف هم ظالميها.. وعندما تأكل الشعوب بعضها لتشبع فلا يزيدها ذلك إلّا جوعاً.. عندما تبكي الأم لضياع خاتمها، ولا تبكي على ضياع ابنها وانحرافه!

عندما تصبح علامات الغضب محيطة بنا، ولا نشعر بذلك، بل نزداد لهواً ولعباً.. عندها فقط سيأتينا العذاب دون سابق إنذار، وعندئذٍ فقط لن ينفع الندم، ولن تنفعنا كلمة لو! وسيأخذنا العذاب بصالحنا وطالحنا بما عملت أيدينا!! (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمرّناها تدميراً) [سورة الإسراء].

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد