جميل ذلك الشعور الإيماني الذي يسيطر على كل مَن يتذكر حادثة الإسراء والمعارج التي حدثت لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجميل ذلك التذكر للأحداث التي حدثت قبلها وبعدها وأثناءها، ففي ذلك سرد للحدث المهم الذي فيه من العِبر والدروس الكثير.
معجزة الإسراء والمعراج حدثت في حق الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أحداث طويلة تعرض لها، منها تنكر قومه له وعدم إيمانهم بما جاء به إلا نفر قليل منهم، ومنها وفاة المدافع الأول عنه عمه أبي طالب، ووفاة زوجته حبيبة قلبه ومؤنسته خديجة في نفس العام، حتى سُمي ذلك العام لشدة حزن النبي صلى الله عليه وسلم عام الحزن، وبعد رحلة الطائف التي ظن النبي فيها أنها ستكون فاتحة خير للدعوة، فكانت النتيجة عكس ما توقعه، فعاد إلى مكة وقد بلغ الحزن عنده مداه.
هنا سيكون عندنا وقفة، ألم يكن من الممكن أن يقول الرسول وقتها: "لقد تعبت؟"؟ ألم يكن من الممكن أن يقول: "هذا الحِمل يا الله ثقيل ولا أطيقه؟" ألم يكن من الممكن أن يقول: "وأنا مالي، هذا دين الله، فلينصره الله!!" حاشاه صلى الله عليه وسلم.
ألم يكن من الممكن أن يقول: "هذا الدين سينصره الله، ان اجتهدت أو لم أجتهد؟"، ألم يكن من الممكن أن يقول كل ما نقوله نحن في هذا الزمان عندما تسيطر علينا الأحزان وتحيط بنا الكربات من جميع الاتجاهات؟
ألم يكن من الممكن أن يقول: "أنا رسول الله، وسينصرني الله دون أن أجتهد وأتعب!!"، ألم يكن من الممكن أن يحدث كل هذا؟ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر مثلنا!
هذا كله لم يحصل، ليس لأنه -صلى الله عليه وسلم- رسول الله وحبيبه، فالأحداث التي نسردها في كل عام في يوم الإسراء والمعراج تدل على أن ذلك لم يحصل؛ لأنه كذلك فقط، بل لأنه بالإضافة إلى ذلك كان يعي صلوات الله عليه أنه بشر، والدنيا هذه تحتاج إلى أن تسعى بها بكل ما أويتيت من قوة وجلد وصبر ومهارات وإمكانيات متاحة، وبعدها تقول "سينصرني الله".
الاجتهاد في الدنيا أساس القبول
واجهتك الصعوبات؟ تشعر بأن الأحداث من حولك أكبر من أن تتحملها؟ تظن بأنك قمت بكل ما عليك وما زلت لم تحصل على كل ما تريده وتطمح إليه؟ بدأ الشك يساورك بأنك تسير في طريق خاطئ؟
تذكر في هذه الحالة معجزة الإسراء والمعراج، تذكرها بأنها أحداث حدثت للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو بشر في هذه الدنيا، تذكره صلوات الله عليه وسلامه وهو يسير إلى الطائف بعد أن فقد عمه وزوجته يريد أن يدعوهم إلى الإسلام، تذكره وهو في قمة حزنه وهو يسير في الطريق إلى هناك، دون أن يجلس في بيته ويضع (كفه على خده، ويندب حظه)، كما نفعل نحن.
تخيله وهو يخطط لدعوة قومه، فينظر حوله بعد جهد كبير ولم يؤمن معه إلا عدد قليل؟ أتراه ترك مهمته بحجة أنه لم يرَ القبول؟ تذكر ذلك عندما تبدأ مشروعاً لك ولا تجد الإقبال الكبير عليه من الآخرين، "وللدعوة المثل الأعلى"، تذكر العدد القليل الذي آمن مع النبي في البدايات، وتذكر بداياتك أنت في طريق مشروعك؟ تذكر ذلك واجعل بين عينيك اجتهاده -صلى الله عليه وسلم- فلا تستسلم للبدايات، وواصل طريق الاجتهاد.
تذكر معجزة الإسراء والمعراج ليس للتفاخر بها أمام الآخرين بأنك مطلع على تفاصيل المعجزة وتستطيع أن تحدث بها (على أهمية ذلك)، ولكن تذكرها بجانب ذلك لكي تجعلها منهج حياة لك عندما تسير في طريق وترى مطباته الكثيرة، وترى إدبار الناس عنك، تذكرها وأنت على يقين بأن الله ينظر إليك، وسيتدخل في الوقت الذي يراه هو مناسباً، ولكن حذارِ وأنت تنتظر ذلك أن تجلس في بيتك، أو على المقاهي دون تعب وإنجاز ومثابرة وتقول حينها: "أين وعد الله لعباده؟!"، وهنا الدرس الثاني.
وعد الله للمثابرين
الله لا يحابي الكسالى، ولا القاعدين، ولا أولئك الذين يدعون الله ليل نهار وهم قعود خلف شاشات مواقع التواصل الاجتماعي، فللكون سنن، وأولى هذه السنن "وقل اعملوا"، ولأن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يعي ذلك، كان خير معلم وقدوة في هذا الشأن، فمنه صلوات ربي وسلامه عليه نتعلم المثابرة والعمل والإنجاز، كيف لا وهو الذي لم يجلس في بيته فقط يدعو الله أن يزيل عنه هذا الغم والهم، بل سار في طريقه إلى بلد آخر "الطائف" يدعو قومه دون كلل وتعب وهو في قمة حزنه وبعدها جاء وعد الله له بمعجزة الإسراء والمعراج.
وأنا وأنت عزيزي القارئ، كم مرة أصابنا الحزن والإحباط وتركنا عمل ما بأيدينا؟
كم مرة تركنا الإنجاز فقط؛ لأننا لم نرَ نتيجة تعبنا؟
كم مرة أصابنا جزء من الشك في طريق إنجازنا، وظننا بأن الله لا ينظر إلينا؟ (معاذ الله).
كم مرة مزقنا ورقة الخطة السنوية التي نطمح إلى إنجازها عند أول عقبة واجهتنا في طريق الإنجاز الذي نطمح إليه؟
كل عام أنتم بخير
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.